عن أي دجاجة تتحدثين
من لا يعرف منكم حكاية الأطرش الذي سرق دجاجة من جارته الأرملة في القرية؟ ذبحها وطبخها ثم التهمها عن بكرة أبيها بعد أن دفن الريش والعظم والرأس، وكل ما يدل على آثار فعلته.
أنكر صاحبنا كل ما حام حوله من شبهات أمام وجهاء القرية أثناء التحقيق الذي فتحوه بحقه، حتى اقتنع الجميع ببراءته بما في ذلك المرأة التي اشتكت عليه واتهمته بسرقة دجاجتها، والتي اعترضت فيما بعد سبيله بالمصادفة لتلقي عليه تحية الصباح، فما كان منه أن زمجر في وجهها قائلا: اتقي الله.. عن أي دجاجة تتحدثين يا امرأة؟
ذكرتني الحكاية بصديق كان قد نشر رواية استوحاها من الوسط الذي يجمعنا بإحدى المقاهي الثقافية، وحينما التقيته لتهنئته بعد خصام طويل عن صدور “عمله الأدبي” الذي يعج بالرداءة الفنية وتصفية، قال، ودون أن أسأله أو أعاتبه: ولا يهمك.. ستأخذ شخصية ” فلان ” في الرواية منحى إيجابيا في الجزء الثاني الذي سوف بصدر قريبا، وأعدك أنها ستدهش جميع قرائها ببطولاتها التي أقدّرها في شخصك.
الحقيقة أني لم أكن أعلم بأني المقصود بشخصية ” فلان ” في الرواية، ذلك أني لم أقدر على إتمام قراءتها، لكني تمنيت أن يُبقيني على حالي ـ كما تخيلني ـ في الجزء الأول، بعدما عدت أبحث عني، وأقتفي أثري أثناء قراءة الجزء الثاني.
لقد وجدت شخصية ” فلان ” في الجزء الثاني من الرواية ” ملاكا دون جناحين” بل شخصية بلهاء وساذجة لا هم لديها إلا توزيع القبلات والابتسامات والقبلات وهي بخد متورم.. ولا هم لكاتبها إلا أن يعتذر مني.
ما أسوأ الكتابة الدرامية حين تمسي تصفية حسابات مع الشخوص التي تحيط بالكاتب ذي الخيال المتواضع، والذي يلعب أمام بيته وأبناء حارته، وكأن الأمر يتعلق بمدونة فردية ومذكرات شخصية يكيفها صاحبها حسب رغباته وهواجسه وعقده الاجتماعية.
تخيلوا لو أن موظفا كتب مسلسلا من نوع ” السيتكوم” تدور أحداثه في المؤسسة التي يشتغل فيها.. ما عساه أن يكون موقف زملاؤه الذين سوف يبحث كل واحد منهم عن ” شخصيته ” داخل العمل، وما الموقف الذي سوف يتخذه رئيس العمل منه: الترقية أم الطرد؟
مشكلة صاحبنا الأطرش، عاثر الحظ، أنه سرق دجاجة من جارته وليس من مضارب بعيدة في المكان والخيال، كما أنه يحاجج وهو عديم السمع، محاط بجيران نصبوا أنفسهم محققين، ثم أنه دنيء الغاية ومتواضع الطموحات، وإن كانت سرقة موصوفة، لكنها وضيعة.. أغلب الظن أن صاحبنا لم يسرق الدجاجة أصلا، لكنه مرتبك وجبان أكثر مما يجب.