يسار اليمين

 

من هو اليساري  ؟ و من هو اليميني ؟

في الخمسينات كانت الأمور بالنسبة لنا نحن العرب أوضح فاليساري كان هو الشخص الذي يرفض النظام الرأسمالي داعيا إلى النظام الأشتراكي . و كان معنى ذلك إلغاء الملكية الخاصة – إلا في الممتلكات الصغيرة – ووضع الاقتصادر الوطني بأكمله في يد الدولة التي تمثل الشعب – كما كان مفترضا – تحقيقا للعدالة الإجتماعية في إلغاء إستغلال الإنسان أخاه الإنسان . و هكذا صار اليساري إذن هو الشخص الذي يؤمن بالفكر الماركسي اللينيني بديلا عن الفكر الغيبي الذي تدعو إليه الأديان .

و هكذا بات الشخص اليميني هو الذي يمثل عكس هذا التوصيف في مختلف مرافق الحياة . كانت الأمور إذن في أيامنا تلك محسومة بالرغم من بعض التداخل بين الطرفين أو بعض الفوضى في انتماء الأشخاص أحيانا غير أن الأحوال إختلطت بعضها ببعض في السنوات الأخيرة و على الأخص بعد إنهيار المنظومة الإشتراكية بقيادة الإتحاد السوفياتي بعد أن صار الجميع يدعو إلى اقتصاد السوق مثلا ، و صار القطاع العام عبئا ثقيلا على اقتصادر الدولة مما جعل الجميع أيضا راغبين في التخلي عن أسلوب القطاع العام بالقطاع الخاص كما صارت المؤسسات العامة و الخاصة ترفع شعار الحفاظ على الهوية التاريخية للأمة و ضرورة الأديان في بناء المجتمعات بالرغم من تحفظات بعضهم في المجتمعات الإسلامية التمييز بين الإسلام الجامد المتطرف و الإسلام المتنور و المتطور و فتح باب الإجتهاد انسجاما مع متطلبات العصور الحديثة ، كما بات الجميع يدعون – جادين أو غير جادين – إلى الديمقراطية و التعددية و تبادل السلطة و احترام الرأي الآخر و حماية الملكية الخاصة ..الخ.. مما جعل الأفراد عموما متشابهين في طروحاتهم الفكرية بالرغم من بعض الإختلافات التي ما تزال قائمة و التي تتفجر أحيانا بين المؤمنين بصورة عنيفة .

لقد بات من المؤكد أن الصفة الغالبية الآن على المواقف المعلنة في المجتمعات هو رفض التقسيمات السابقة إلى يسار و يمين و تحول الخصومات إلى نوع جديد من الإختلافات التي تدفع العالم أجمع إلى صراع حضارات كما يسميها المفكر “هانتينغتون” بدلا من نزاع بين اليسار و اليمين مما يجعل المصطلحات السياسية المتداولة تعبر عن صراع جديد خطير يجر العالم أجمع إلى صراع عالمي و تقسيمات جديدة غير ” اليسار ” و ” اليمين ” كما كان الحال في الخمسينات و إذا كان لا بد من استخدام هذين المصطلحين حتى الأن فلا بد من أن نلاحظ أن مضامين جديدة التصقت بهما و إن لا فمن هو الأن من يستحق فعلا تسميته باليساري، و الآخر باليميني ، و بماذا يختلف الان الواحد عن الآخر في قاموسنا الراهن و قد صار لليسار يمين كما في بعض دول أمريكا اللاتينية و الأسيوية كالصين مثلا ، و لليمين يسار كما في بعض الدول الأوروربية.

إن العالم بأكمله يهتز الآن هزات من نوع جديد أرحب اتساعا ، و أعمق اختلافا و بالتالي أخطر تأثيرا وإن تغير المناخ على كوكبنا نحو المزيد من الارتفاع في درجة الحرارة وإن تفاقم الفساد في العلاقات الدولية ، وضعف سيطرة هيئة الأمم المتحدة و هيبتها ، و كل هذا يقودنا إلى تفكير واحد تقريبا هو مصير الكوكب الذي نعيش فوقه منذ مليارات السنين ؟ إن الأخطار التي يؤكدها علماء البيئة المعاصرون يؤكدون أن هذا المصير لم يعد يحتاج إلى مليارات السنين أيضا كي يتغير و يفسد و يقضي على الكوكب بكل من و مافيه من الأحياء في غضون مئات السنين لا ملياراتها… و أن لا يسار و لا يمين بعد الأن …إذ ليس هناك سوى كوكب واحد حتى الآن اسمه ” الأرض” بمنجى مما يترصدنا نحن البشر من التحول إلى كوكب ميت مع الكواكب الميتة الأخرى التي تدور حول شمس ، آفلة عما قريب ….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى