ماذا يعني كلام بوتين عن ضرورة سحب القوات الأجنبية من سوريا؟
يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على استغلال زياراته إلى موسكو لإطلاق المواقف ضد إيران ونفوذها في الشرق الأوسط. هذا الإصرار الذي كانت آخر محطاته في الزيارة التي أجراها قبل يومين إلى العاصمة الروسية، والتي حاول من خلالها تصوير نفسه أكثر قرباً من الروس مما هي حال الإيرانيين.
الزيارة السريعة هذه جرت على وقع حاجةٍ محمومة لدى نتنياهو للهرب من الضغوط الداخلية المرتبطة بالإجراءات القضائية ضده في تل أبيب، إلى صورة مصطنعة يحاول أن يلعب فيها دور المسؤول الذي يعمل لمنع إيران من الاقتراب من حدود الكيان. وهي صورةٌ يحاول نتنياهو استغلال وجوده في موسكو من أجل أن يوحي بموافقة الروس على مضامينها.
في المقلب الآخر، لم يتم رصد أية إشارة صادرة من الجانب الروسي تؤكد إيحاءات نتنياهو، بل إن تكرار هذا الأخير لعبارات مثل “إن أكبر تهديد لاستقرار المنطقة هو إيران وحلفاؤها”، يبدو مسيئاً بحق الروس أيضاً. فبعيداً عن حلفاء إيران من الفصائل المقاتلة، تشترك موسكو وطهران بتحالفهما مع الرئيس السوري وقواته على الأرض. الأمر الذي يضع هذا الأخير في مقام المهدد لاستقرار المنطقة بحسب معايير نتنياهو.
وبالتأكيد فإن ذلك لا يتوافق مع معايير موسكو. وهذا ما نقلت تأكيداً له صحيفة “كوميرسانت” الروسية، عن مصادر خاصة لها عبّرت عن عدم سرورها من تعمد الإسرائيليين إظهار قربهم من روسيا في سياق حربهم ضد إيران.
لكن نتنياهو لم يتمكن من استدراج موسكو إلى الحديث عن التعاون مع تل أبيب حول استقرار المنطقة وفق معايير نتنياهو المقلوبة، ولا حتى الموافقة على استمراره بضرب الإيرانيين في سوريا. ومع ذلك فقد درجت عادة الصحافة الإسرائيلية على تكثيف الحديث عن خلافات الروس والإيرانيين في النظرة إلى سوريا، وتعارض مصالحهما على الأرض. وفي هذا السياق، وضعت تصريح الرئيس الروسي بعد زيارة نتنياهو الأخيرة حين تحدث عن “خطة تنص على ضرورة سحب جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية واستعادة مؤسسات الدولة السورية مع الحفاظ على وحدة أراضيها”.
كلام بوتين الذي جاء تعليقاً على مبادرة إنشاء مجموعة دولية ستتولى مهمة الاستقرار النهائي في سوريا، ربطه الرئيس الروسي “بالقضاء على جميع بؤر الإرهاب”. وهو إذ قال إن جميع دول المنطقة إضافة إلى الدولة السورية وربما المعارضة سيكونون من ضمن مجموعة العمل هذه، لم يستبعد إيران وحلفاءها من جهة، واستمر في ربط ذلك بالقضاء على الإرهاب. الأمر الذي يتوافق مع الموقف الروسي الأساس من الأزمة السورية عند انطلاقتها، ويتوافق مع موقف الدولة السورية من المسألة، ولا يتعارض مع المقاربة الإيرانية للأزمة، التي تستند إلى طلب رسمي سوري بالتدخل، مقرون بضرورات محاربة الإرهاب.
وعليه، فإن تصريح الرئيس الروسي لا يخرج عن سياق التفاهمات السابقة التي حاكها الروس والإيرانيون والسوريون معاً، ولا يخرج عن سقف العلاقة المرسومة بين هذه الدول، بل إنه يتناغم مع الإصرار السوري والإيراني على تحرير إدلب واستعادة السيطرة في مناطق شرق الفرات، هذا من ناحية. بينما من ناحية أخرى فهو يؤشر إلى أن معنى “انسحاب القوات الأجنبية من سوريا” ينصب بصورةٍ رئيسة على القوات المتواجدة في المنطقتين اللتين ذكرهما بوتين بالإسم في خطابه، إدلب وشرق الفرات، أي القوات التركية في إدلب، والأميركية في شرق الفرات، وليس القوات الإيرانية التي لم يقحم بوتين مناطق تواجدها في سياق تعليقه على الإعلان عن الخطة الوليدة.
وبالتالي فإن فروقات جوهرية تلك التي رصدت بين المعنى الروسي لكلام بوتين عن خطة مجموعة العمل الدولية الجديدة وهدفها المتمثل باستعادة الاستقرار النهائي في سوريا وانسحاب القوات الأجنبية بعد القضاء على بؤر الإرهاب، وبين المعنى الإسرائيلي لذلك على أساس أنه تناغم مع نتنياهو في حربه ضد إيران.
وربما يكون تعليق كسينيا سفيتلوفا، النائب عن كتلة “المعسكر الصهيوني” المعارضة دقيقاً في هذا الشأن، حيث اعتبرت أن زيارة نتنياهو إلى موسكو تستخدم لأغراض دعائية. بينما يبدو أن تركيز بوتين منصب في مكان آخر، وهو كيفية رسم مستقبل نظام سياسي آمن لسوريا مع الأتراك والإيرانيين، وليس مع الحلفاء الأقرب لأميركا في المنطقة.
الميادين نت