الزمن
“بعض الأقدار لا تدق الباب… بل تخلعه”
بالتأكيد هذه أول مرة نرى”ميت” يترشح لرئاسة الجمهورية بعد بقائه عشرين سنة في سدتها. والطريف، طبعاً ،انه لا يعلم بترشحه. ومع ذلك كتب، أو وجه رسالة طويلة جداً، إلى الشعب ، فيها من الأفكار والمقترحات والشروحات ما يعجز عنه من تناول للتو حبة مهدىء فقط. أما السيد بوتفليقة فإن تمتمة حركة الشفاه، تكفي ليسجل رجاله رسالته إلى الشعب.
السؤال هو هو: لماذا يفعل الرؤساء ما يفعلون؟
حين متابعة أخبار الجزائر، أرسل لي أحدهم هذه المعجزة الرئاسية التي وردت في خطاب الرئيس السوداني البشير:
“إن السودانيين لم يتعرفوا قبلي على وجبة الهوت دوغ وأتحدى أي زول (رجل) سمع بالهوت دوغ قبل حكومة الإنقاذ” التي شكلها مؤخرا .
وفي إحدى التعليقات الفيس بوكية :
“الحاكم العربي يحكم واقفاً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب، فإن لم يستطع فراقداً، فإن لم يستطع فيرمش بعينه.
أو ميتاً…
وهذا أضعف الاستبداد”.
الهوت دوغ، (وجبة الكلب الساخنة) اختراع، منجزات، ومهما تخبط السودان بدم ودموع أبنائه… يتحملون في سبيل المعجزات القادمة المنتظرة.
اليوم …الصمت يحكم الجزائر من مشفى في سويسرا ، حيث فريق الأطباء المرافقين يراقبون شفاه الرئيس لكي يترجموا ما يعجز عن نطقه.
تملك إنجازات بوتفليقة كمية من الشجاعة، أدت إلى مصالحة وطنية كبرى بعد 10 سنوات حرب أهلية حين طرح شعار المصالحة “عفا الله عما سلف” و “جئتكم رسول سلام وحب”.
لكن عشرين سنة حكم كافية للاطمئنان إلى أن الشعب، الذي كان عمره آنذاك سنة، صار عمره اليوم عشرين، قد شبَّ ويستطيع اختراع رئيس بشعب بسيط في صندوق انتخابات.
لا تفسير، لا جواب على سؤال لماذا؟ إلا بأن الحاشية، وحكّام الامتيازات، ومحترفي الصيد فيما تبقى من الوقت الضائع…هؤلاء يرشحون جسد الرئيس (فزاعة الطيور) لكي يحكموا باسمه ،وعلى اسمه ،وفي اسمه سنة أخرى على الأقل.
الدرس الذي لن يعرفه بوتفليقه، لأنه لن يراه ،هو هذا الانضباط الغريب لشارع يغلي بشبان يرفضون ترشيحه. يقابله انضباط القوى الرسمية المسلحة. لأنهم يرون ويعرفون أن الدم إذا سال اليوم نقطة سيصبح غداً شلالاً. فليقتنع هؤلاء ،مرشحو الوقت المستقطع، بأن الجزائر أهم من بوتفليقة، ومع الاحترام له حياً ومريضاً وميتاً…فالموت كوماندو النقطة الأخيرة على السطر الأخير.
وأغلب الظن أن القدر سيتدخل، إذا لم يحسمها القضاء، فيرحل الرئيس بكامل لياقة منجزاته.
…………………………….
من الذاكرة:
الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي، ليونيد بريجنييف ،حين أصبح عجوزاً، اخترعوا له بطارية تحرك يده للتحية من وراء منصة الاحتفالات بعيد النصر في الساحة الحمراء.
كان صانعو البطاريات، والمكتب السياسي يعرفون ويوقنون أن البطارية تحرك يداً ،ولكنها لا توقف الزمن!