“غايكوب” حيث تتشابه الوجوه والأوجاع
تتبع الروائية أمل الجبرين في روايتها الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان، حياة إنسان عربي يعيش في قرية اسمها “أم النخل”، وهي قرية افتراضية لا توجد على الخريطة، وكذلك تلك الشخصية التي أطلقت عليها اسم “غايكوب” أو “يعقوب”، هي ليست مسجلة في دفتر النفوس أو الأحوال المدنية، ولكنها حاضرة في كثير من الوجوه التي تصادفنا في الحياة.
أما زمن الرواية التي تقع في 250 صفحة من القطع الوسط فهو يتناول الحاضر والمستقبل الذي نعيشه بكل تداعيات الألم والفجائع والمآسي، والموت، وهو الحاضر الذي يربض فوق أكتاف الناس وصدورهم كما الجبال، والمستقبل الذي يقع بين الجنون أو الموت.
حكاية غايكوب تتداخل فيها الأزمان السردية بين الخطي الحكائي والاسترجاعي التي تشكل نواقل لجماليات الحكاية وتتبع أسرار الناس الذين يتعرف عليهم غايكوب، وهولاء لا يقلون عنه مأساوية، سواء أكان والده بالتبني سعد الأمام، أو العامل البنغالي عائد، وخالد المساعد، والطبيب العراقي الذي قتلت عائلته بوحشية.
هؤلاء مثّلوا عوالم مضافة للسيرة الذاتية لغايكوب لتنفتح الحكاية على جملة من المرايا التي يرى فيها السارد ملامحه أو لا يراها، والتي يطلق فيها على عناوين الفصول أسماء إنكاريا، ومنها “لست أنا”، “لست هو”، “لست خالدا”.
شخصية يعقوب ليست حالة انفصامية أو مرضية، بل هي انعكاس للواقع المتشظي الذي يجعلها تتوزع بين الواقعي والغرائبي، بين الجني والإنسي والصالح والفاسد، حالة تتكرر في الحكاية كأنها لا تصوّر ذاتها بمقدار ما تتجسد في عدد من الأجساد التي تكشف عن ضعف الإنسان ووحشيته في آن معا.
الرواية التي تتسم بجملتها الرشيقة وبناءاتها التي تحسس القارئ بأنه يرى المشهد بصريا، وتدل على دراية الكاتبة بنسج جملتها التي يشعر معها القارئ للوهلة أنه يعرف الأشخاص الذين انتسبوا لعائلة الرواية.
انقسمت الرواية في أربعة أبواب ومجموعة من الفصول التي تشبه التقطيع السينمائي، بل هي تمثل سيناريو جاهز لفيلم يعاين هواجس الإنسان العربي في عقدي الألفية الثالثة.
ومع أن قرية أم النخل ليست موجودة على الخريطة، ولكن الرواية ترتحل إلى أميركا وروسيا وبنغلادش والتيبت، وعلى امتداد البلاد العربية من المغرب إلى اليمن مرورا ببغداد ودمشق التي تتشابه فيها الوجوه والأوجاع، التي تقود لمستشفى الأمراض العقلية أو الانتحار.
وتستعير الروائية الجبرين خلال ذلك اللهجة الدارجة العراقية والمصرية، أو طريقة كلام العمال الآسيويين حيثما كان ضروريا لتقريب الحس الواقعي في السرد.
وتختزل المشهد الروائي والحكاية في بوتقة فلسطين ضمن حوار متلفز يتشابك فيه الواقع مع المتخيل، والحقيقي مع الوهمي، والقريب والبعيد، الحاضر والمستقبل، فيقول بطل الرواية: “من هنا وهناك”، ترن كلمة خالد المساعد في ذهني، “من أنا، أين أنا، أعرف الكثير عن كل من حولي، وما حولي، ولا أعرفني”.
وتختم بنهاية مفتوحة، “ماذا لو أعطيتك الإبرة التي تحب، ماذا لو استيقظت غير يعقوب، لن يكون هذا غريبا.. وتختم: “لم تنته بعد”.
يقول الكاتب عبدالله ثابت على الغلاف الأخير للرواية: “تذهب بك هذه الرواية لأماكن كثيرة، وحالات أكثر تسحبك من شبح الموت واليتم إلى قفزات الفرح، من الأيام الهنية إلى اللوعة ومرارة الحنين، من هدأة السلم والحياة المخبأة إلى وحوش الحرب ورهبة الدم ووجوه الجثث، من ركن البيت والطمأنينة حتى آخر الشتات، ومن أرواح النساء المعذبة إلى تعاسة الرجال، هذا الحشد من التناقضات والهستيريا والضياع يعتمل كله في رأس واحدة، ورواية واحدة، اسمها غايكوب، كتبت بوجع ساخن، ونفس مجروحة ولغة شديدة القرب”.
ومن مناخات الرواية: “لا تستعر حياتي يا يعقوب”، أحلم بالدكتور قاسم وهو يحدثني بذلك: “لا تحدثن أحدا عني.. أي حياة أستعير، ليتني أستطيع أن أهرب من هذه الحياة لأي حياة، نسيت كل شيء، كفرت بالكلام”.
يذكر أن د. أمل الجبرين، مواليد فبراير/ِشباط ١٩٧٦ في مكة المكرمة حاصلة على الدكتوراه في التخطيط من بريطانيا.
ميدل إيست أونلاين