الطيب تيزيني

 

التقدم في السن “مرض” من نوع يشبه البقاء مع عصابة مسلحة ، في خيمة واحدة مع نقص مياه وخبز، حيث يستعر الصراع الذكي والغبي وقلة الضمير، للبقاء على قيد الخذلان الشريف.

تزداد شراسة هذا المرض مع التدهور في نوع المحصول الإجمالي للجهد الإنساني، في الأفكار، والمعرفة ، والجماليات…

تتضاعف شراسة هذا المرض مع الاستبداد والفساد الذي يجعل من قطار عابر للقارات خردة.

وهكذا أتجرأ وأعتبر العيش عمرا طويلا على حواف هذا المستنقع، مع المهانة، والارتباك وانعدام الأمل… بطولة .

لان الطيب تيزيني مات سيطرت علي مشاعرلاذعة مشاكسة وحزينة تعتبر هذه المقدمة جزءاً منها.

الآن… مضى 50 سنة على اللقاء به في مجلة الطليعة ،حيث كنت محرراً صغيراً في مجلة تعتبر في تلك الأيام أهم مطبوعة أسبوعية في سورية.

كان الطيب أحد أعضاء هيئة التحرير وينشر مقالاً أسبوعياً له طابع التأملات في الواقع والفلسفة. ثم أغلقت المجلة وتفرق فريقها… وصرنا نلتقي في اجتماعات طارئة وسهرات ، وصولاً إلى العام 2005 حيث الحراك السوري الأول واجتماعات المجتمع المدني ثم الى العام 2011حيث “الثوره”والمؤتمر التشاوري .

الطيب رجل ثقافة بامتياز كانت لديه نظريته في تفكيك بنية التاريخ مخترقاً “قانون الاستبداد الرباعي” الدفع:

“الاستبداد بالثروة” و “الاستبداد بالإعلام” و “الاستبداد بالحزب الواحد” و “الاستئثار بالسلطة”.

وأعتقد أن الطيب كان أحد أهم الأشخاص الذين درسوا مقولة “الدولة الأمنية” حيث فكك طبيعتها، والتي تعيش بمقدار ما تطبق المبدأ الشهير “كل شخص متهم حتى تثبت براءته” وطبعاً حتى تصل الدولة الحديثة إلى العكس “كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته”… ثمة عصورتفصلنا عن صياغة وصيانة القوانين الضامنة لحرية الفرد وخياراته.

التقيت بالطيب ذات يوم في الطريق… فقلت له: يا طيب أنا احس بضرورة ان أقول لك: لا فائدة من الحوار المعرفي والثقافي مع البوطي، ولامع الإسلام بوصفه ديناً نهائياً ومعصوما. ولسوف ينتصر البوطي عليك بالحجة القاضية من الجولة الأولى، حيث سيقول لك: تعال نتفق منذ البداية على أن القرآن كتاب الله، أنزله وحياً على رسول الله. وستجد نفسك تقول له: نعم انه كتاب الله،  وسينتهي الحوار،عمليا… فوراً.

حتى الآن لم ينجح في أي يوم طوال 1400 سنة أي حوار مع الدين. أما إذا كنت تبحث عن منصة للتأثير بأفكارك… فلا أظن أن حوار العلماني مع الديني ممكناً على سطوح هيك منصات.

الطيب نزل إلى الاعتصام أمام وزار الداخلية، واعتقل. واشترك في “اللقاء التشاوري” الذي أقامته السلطة برئاسة فاروق الشرع قال فيه الطيب: لا بديل عن تفكيك الدولة الأمنية المهيمنة في سورية، لا بد من دولة القانون، لا بد من البدء بإطلاق جميع سجناء سورية”.

ولكن على من تتلو مزاميرك …ياطيب ؟

ثم انكفأ الطيب ليعيش في مدينته حمص، وأظنه كان في أقصى لحظات الأذى النفسي وهو يصرّح: “كل ما كتبته في حياتي بحاجة إلى إعادة نظر”.

لقد بكى الطيب …

أظن دمعته انشطرت نصفين : الحزن على دمارالبلاد وخرائب الأرواح ، والاسف على المعرفة وهي تتفرج على “موت الإنسان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى