لماذا تنعقِد ثلاث قمم عربيّة وإسلاميّة وخليجيّة دُفعةً واحدةً في مكّة المكرّمة؟
تشهد مدينة مكّة المكرّمة التي تزدحم هذه الأيّام بمِئات الآلاف من المُعتمرين والزوّار، سواء من داخل المملكة أو خارجها، ثلاث قمم عربيّة وإسلاميّة وخليجيّة دُفعةً واحدةً، والهدف الرئيسي المُعلن هو مُواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، ورفض تدخّلها في شُؤون الدول الأُخرى.
لا نعتقد أن مواجهة إيران تحتاج إلى ثلاث قمم، وفي المدينة المقدّسة، لأنّ هذه المسألة خلافيّة، ولا تحظى بأيّ إجماع، أو حتّى شبه إجماع إسلامي، أو عربي، أو حتّى خليجي، ولذلك فإنّ مُعظم المُشاركين فيها يشدّون الرّحال إلى المدينة المُقدّسة، مُجاملةً للدّولة الداعية، لا أكثر ولا أقل، ويُظهرون ما لا يُبطنون من مواقف وآراء.
التوتّر الراهن المُتصاعد في مِنطقة الخليج العربي يعود في الأساس إلى رغبة الإدارة الأمريكيّة الحاليّة في مُمارسة كُل الضّغوط السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة المُمكنة من أجل إجبار إيران للتخلّي عن كُل طُموحاتها النوويّة، ووقف تجاربها الصاروخيّة الباليستيّة للحِفاظ على التفوّق العسكريّ الإسرائيليّ، وإبقاء إسرائيل دولة نوويّة وحيدة، ومُتفوّقة، تُهدّد جميع جيرانها في منطقة الشرق الأوسط، وتكرّس احتلالها للأراضي العربيّة ومُقدّساتها.
إدارة الرئيس ترامب التي باتت خاضعةً بالكامل لسطوة النّفوذ الإسرائيليّ ومُخطّطاته، تُريد تغيير النظام في طِهران، سواء دفعة واحدة من خلال هُجوم عسكري، أو على مراحل من خلال حصار اقتصادي خانق يؤدي إلى ثورة شعبيّة داخليّة تُطيح به، ولا نعتقد أنّ هُناك مصلحة إسلاميّة أو عربيّة أو خليجيّة، لتبنّي مثل هذه المُخطّطات، أو المُشاركة العمليّة فيها طالما أنّ المُستفيد الأكبر منها هي دولة الاحتلال الإسرائيلي، وطالما أنّ المُتضرّر الأكبر منها هي الدول العربيّة التي سيكون وشُعوبها وقودًا لأيّ حرب يُمكن أن يشتعل أوارها.
لا نُريد استباق الأحداث، ونُصدر أحكامًا مُسبقةً على هذه القمم الثلاث التي نرى أنّها غير ضروريّة، ولن تخرج من كونها مظاهرة دبلوماسيّة تنتهي بمُجرّد مغادرة المُشاركين لمطار الملك عبد العزيز الدولي في مدينة جدّة، بينما ستبقى الأوضاع على حالها دون أيّ تغيير.
جميع القمم العربيّة والخليجيّة والإسلاميّة التي انعقدت في السنوات العشر الماضية، إن لم يكن أكثر، كانت هزيلةً على مُستوى الحضور، أو على مُستوى النتائج، أو الاثنين معًا، ولم تزد عن كونها حفل عشاء جماعي، وبعض الخطابات الانشائيّة المُملّة، وسط حُضور مُعظمه يغط بالنّوم، ولفترة زمنية لم تزد عن ساعات محدودة، ولا نعتقد أنّ قمم مكّة الثلاث ستكون استثناء في ظِل حالة الاستقطاب والانقسام التي تسود المنطقة العربيّة.
فكرة القمم العربيُة قامت أساسًا من أجل فلسطين، أو التحرير وحماية مقدّساتها تحت الاحتلال من كل أعمال الحرق والتهويد، ولمُواجهة الاغتصاب الإسرائيلي لها، ومن المُفارقة أن فِلسطين تغيب عن قمم مكّة بشكل كامل، وتحتل المقاعد الخلفيّة فيها، ويحل محلها التطبيع مع دولة الاحتلال تحت مظلّة أمريكيّة معزّزة بحاملات الطائرات والقاذفات والمدمرات البحريّة، والحصارات التجويعيّة الظالمة ليس لإيران فقط، وإنّما لعدد من الشعوب العربيّة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، الذي بات يُواجه الجوع فعليًّا ولا يجِد والملايين منهم تحت الاحتلال لقمة الخبز في هذا الشهر الفضيل وأيّامه العشر المُباركة.
من المُفارقة أنّ الدولة المطلوب من المُشاركين التصدّي لها في هذه القمم الثّلاث، أيّ إيران، هي التي تتبنّى القضيّة الفِلسطينيّة، وتدعم الذين يتمسّكون بخِيار المُقاومة، لنصرتها والتصدّي للغطرسة الأمريكيّة والصهيونيّة معًا، وتزودهم بالصّواريخ، وكُل أسباب الصّمود الرّادعة والتصدّي للعُدوان المُتكرُر، وهذه هي قمّة المأساة التي تُلخّص حالة الانهيار العربي في أبشع صوره وأردأها.
نحن مع التّضامن العربي، شريطة أن يكون على أرضيّة المُواجهة للاحتلال الإسرائيلي، ودعم حركات المُقاومة بأشكالها كافّة، ولا نعتقد أنّ القمم الثّلاث في مكّة المكرّمة تُحقّق هذه الشروط الوطنيّة الأساسيّة.
أيّ قمم عربيّة، أو إسلاميّة، أو خليجيّة لا تتصدّى لمُؤامرة تهويد القدس المحتلة، والمسجد الأقصى، ووقف الحُروب في سورية واليمن وغزّة وليبيا، وتنتصر للقضيّة العربيّة المركزيّة الأولى، وتُعلن موقفًا رافضًا واضحًا ومُواجهًا لصفقة القرن، ومشروع إقامة إسرائيل الكُبرى، ولا تُحرّم التّطبيع مع المُحتل، لا تستحق اسمها، ولا حتّى انعِقادها في مكّة المكرّمة، أطهر بِقاع الأرض، وأكثرها قدسيّة.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية