أنس طيارة: التمثيل بكل… صدق!
أثناء إكمال دراسته التمثيل في «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق، أطلّ أنس طيّارة في أوّل أدواره التلفزيونية عام 2013 في مسلسل «ياسمين عتيق» (تأليف رضوان شبلي، وإخراج المثنى صبح) لتتوالى بعد ذلك أدواره على الشاشة الصغيرة. غير أنّ حضور الممثل السوري الشاب ترسّخ في الموسم الرمضاني الحالي عبر أربعة أعمال درامية تشارك في السباق: دور «عبود» في «سلاسل دهب» (ﺗﺄﻟﻴﻒ سيف رضا حامد، وإﺧﺮاﺝ إياد نحاس)، و«الخليفة المقتدر بالله» في «العاشق: صراع الجواري» (تأليف أحمد المغربي، وإخراج علي محي الدين علي)، و«مجد» في «مسافة أمان» (تأليف إيمان سعيد، وإخراج الليث حجو)، و«عزمي» في «عندما تشيخ الذئاب» (سيناريو وحوار حازم سليمان، وإخراج عامر فهد).
لا شك في أنّ الشخصية التي يلعبها في هذا الأخير ستشكّل نقطة تحوّل في مسيرة طيارة. في «عندما تشيخ الذئاب» المقتبس عن رواية بالاسم نفسه للروائي الراحل جمال ناجي (1954 ــ 2018)، يؤدّي أنس دور «عزمي» طالب الحقوق المتفوّق، صاحب الأحلام الكبيرة والطموح الذي لا حدود له.
إنّه نجل إبنة الحسب والنسب «الجليلة الشيّاح» (سمر سامي) التي ربّته على «الشبر والندر» وفق أعلى درجات «الأصول والإتيكيت»، وحوّلته إلى شغلها الشاغل لعلّه يعوّضها عن خيبات الحياة الكثيرة، وعلى رأسها زواجها من «ابن الطنبرجي» المدعو «رباح» (علي كريم). اهتمام «الجليلة» بوحيدها، خلق علاقة استثنائية بين الأم والإبن، أشعرت الأخير بأنّ عالمه يتمحور حول والدته والعكس صحيح، لا بل خلق في داخله «مربى الدلال» شعوراً بالغرور ورغبة في حرق المراحل والوصول إلى «فوق» بسرعة.
منذ اللحظات الأولى، كان من الصعب على المشاهد التغاضي عن أداء أنس طيارة لهذا الشاب الواعد. فصفاته واضحة في المشية والهدوء وطريقة الكلام، فيما عيناه تقدحان تمرّداً وإصراراً وعزيمة، وهو الذي اكتسب الكثير من صفات خاله اليساري «جبران» (عابد فهد).
لن يمرّ الكثير من الوقت قبل أن يخف وهج علاقة «عزمي» بخاله بعد أن يتحوّل ماضي المناضل السياسي و«ربيب المعتقلات» عقبة في طريق طموحه الديبلوماسي، ثم يأتي موت «الجليلة» ليقسم ظهره ويدخله في دهاليز الضياع ومتاهات القرارات المشوّشة. ينجح طيّارة في إيصال هذه المشاعر بأمانة مطلقة ومن دون مجهود ظاهر.
في هذه المرحلة الحسّاسة من حياة الشاب الواعد، يواصل الشيخ «عبد الجليل» (سلوم حدّاد) محاولاته لاستمالته إلى السير على «طريق الله»، فيتجاوب «عزمي» خصوصاً بعد زواج والده من الصبية الجميلة والمثيرة «سندس» (هيا مرعشلي).
الإحباط سيكون هذه المرّة أيضاً من نصيبه بعد أن يكتشف أنّ جزءاً يسيراً من التبرّعات التي يساعد جمعية «عبد الجليل» على جمعها من المقتدرين لتوزيعها على المحتاجين يذهب إلى الجيب الخاص للشيخ مدعّي العفّة والزهد! سيتخذ «عزمي» من كل هذه الانكسارات وقوداً لإطلاق مسيرته الخاصة التي تشبه المبادئ والقيم التي يؤمن بها. في الحلقات العشر الأخيرة، أظهر أنس طيارة نضجاً مهنياً كبيراً مع تحوّل «عزمي» إلى بطل حقيقي في المسلسل المتخم بالنجوم. أثبت أنس طيّارة أنّه يملك مقوّمات تمكّنه بسلاسة شديدة من التمثيل من دون تمثيل، بعيداً عن التصنّع والمبالغة. فهو على الشاشة مزيج من الحنان والغضب والانهزام والإرادة والغرام والقسوة والعصامية والخير والشرّ…
تطوّر «عزمي» الطبيعي بكلّ ما فيه من أفكار وصراعات وتعابير داخلية وخارجية ظاهر على الشاشة تزامناً مع تصاعد الأحداث وتداخل خيوط الحبكة، لتبقى الحلقات الأخيرة شاهدة على قولنا هذا!
ميدل إيست أون لاين