ماذا يعني تلويح السيّد خامنئي ببُندقيّته الرشّاشة أثناء خطبة العيد؟

 

تُذكّرنا تهديدات الرئيس دونالد ترامب بالحرب ضِد إيران بين الحين والآخر بقصّة راعي الغنم الكذّاب التي تعلّمناها في المرحلة الابتدائيّة، فمن كثرة استِغاثات هذا الرّاعي “المُفبركة” من الذّئب، لم يعُد يُصدّقه أحد، حتى جاء الذّئب فِعلًا، وأكل الغنم.

ترامب اليوم، وفي حديث لوكالة “بلومبرغ” الأمريكيّة، قال إنّه لا يُريد القِيام بعملٍ عسكريٍّ ضِد إيران، ولكن هُناك احتماليّة بذلك، ووصف الأخيرة بأنّها الدولة الإرهابيّة التي تحتل المرتبة الأُولى في العالم في تناقُضٍ واضِحٍ مع تصريحات “تهدئة” أطلقها قبل يومين فقط.

انتهى شهر رمضان المُبارك الذي تشهد فيه المِنطقة، والعالم الإسلامي حالةً من “الخُمول” الصيفيّ، كما أنّ قمم مكّة المكرّمة الثّلاث لم تُحقّق مُعظم التوقّعات المُنتظرة منها، وكشفت عن الكثير من الخِلافات، بعضها جرى التّعبير عنه في العلن، والبعض الآخر في الجلَسات، واللّقاءات المُغلقة، ولم تطر مُعظم الطّيور بأرزاقها، خاصّةً تلك التي حضرت من أجل التّضامن المدفوع الثّمن، ولعلّ حالة الغضب، وخيبة الأمل، التي عبّر عنها السيّد عمران خان، رئيس وزراء باكستان، أحد الأمثلة في هذا المِضمار.

ظُهور السيّد علي خامنئي، المُرشد الأعلى للثورة الإيرانيّة مُلوّحًا ببندقيّة رشّاشة وهو يُلقي خطبة العيد من فوق منبر مسجد طِهران الكبير، واصفًا صفقة القرن بأنّها خيانة للأمّة الإسلاميّة، يُمكن تصنيفه في خانة الرّد على ترامب وتهديداته الجديدة بالحرب، واعتِبار التّلويح رسالةً إلى أمريكا وحُلفائها في المِنطقة، خاصّةً بعض دول الخليج الدّاعمة لصفقة القرن، والمُستعدّة لتمويلها في “ورشة” المنامة في الثّلث الأخير من هذا الشّهر.

تهديدات ترامب من كثرة ترديدها فقدت مفعولها، وباتت موضِع سُخرية الكثيرين في المِنطقة، وحتّى في الداخل الأمريكيّ نفسه، “فمن يُريد أن يضرب ألا يُكبّر عصاه” مثلما يقول المثل الشعبي العربي، ولا يُرسل وزير خارجيّته مُهرولًا إلى العِراق مُستغيثًا بحُكومتها لحماية القوّات الأمريكيّة.

الرئيس ترامب يعيش مأزقًا لا يستطيع الخُروج منه بسهولة، وورّط حُلفاءه الذين سيكونون الضحيّة الأبرز، سواء خانهم بالتّفاوض سرًّا من وراء ظُهورهم مع إيران التي أكّد أنّها ستستعيد عظَمتها، وبقيادتها الحاليّة إذا ما توصّل إلى اتّفاقٍ معها، أو بتوجيه ضربات عسكريّة “جراحيّة” لها، تكون هي المُستهدفة في أيّ ردٍّ انتقاميّ، وهذا ما يُفسّر نأي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنفسه عن “الناتو العربي” وانسحابه منه، وإصراره على إظهار عدم تبعيّته الكاملة للمحور السعودي، وإعلان حُلول عيد الفطر وإكمال شهر رمضان الأربعاء خارجًا للمرّة الأولى مُنذ مجيئه إلى الحُكم عن الفتوى السعوديّة في هذا المِضمار، آخِذًا معه الأردن وفِلسطين ووقف في خندق سورية ولبنان وإيران والمغرب ودول أُخرى، في موقفٍ “رمزيٍّ” لافِت.

الإيرانيّون تجاوزا فيما يبدو عُقدة الخوف من التّهديدات الأمريكيّة، ونقلوا المعركة مُبكرًا إلى الملعب الأمريكيّ، سواء كانوا خلف الهُجوم على النّاقلات الأربع في ميناء الفجيرة الإماراتي، أو الطائرات المُسيّرة المُلغّمة الحوثيّة السّبع، أو لم يكونوا، ورسالتهم وصلت إلى الرئيس ترامب وجنرالاته وفهموا مضمونها جيّدًا، وهذا ما يُفسّر التّراجع عن إرسال المزيد من حاملات الطائرات والسّفن الحربيّة والجنود إلى المِنطقة، ومُرابطة الحاملة أبراهام لينكولن حواليّ 700 كم من مضيق هرمز رُعبًا من الزّوارق الحربيّة الإيرانيّة المُلغّمة.

لعلّ ما قاله اليوم العميد مرتضى قرباني مُستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني في تهديدٍ مُباشرٍ من أنّ الإيرانيين “سيُمرّغون أنف ترامب وآل سعود والصّهاينة في التّراب”، لا يخرُج من رجلٍ خائفٍ من الحرب أو من حاملات الطائرات الأمريكيّة، خاصّةً إذا وضعنا في اعتبارنا أنّ تطاول ترامب بطريقةٍ وقحةٍ على المملكة العربيّة السعوديّة وعاهِلها، لم يُقابل بأيّ “عِتاب”، ناهِيك عن الرّد، وكل عام وأنتم بألف خير.

 

 صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى