الكمال لله وحده ..
ما هي الجدوى الحقيقية للكتابة ؟ و هل في إستطاعة الكتاب فعلا أن يصنعوا تغييرا كاملا في حياة البشر ؟..
تراودني هذه الأسئلة حتى في قراءاتي المتنوعة و أكاد لولا العادة و الشعور بالإحتياج للتدخل أجد نفسي مسوقا للتوقف عن الكتابة ثقة مني أن لا جدوى بتحسين التكوين البشري من خلال الكتابة ، و النصائح الأخلاقية ، إذ يبدو لي أن النوع البشري ذو طبيعة ثابتة أخلاقيا و ثقافيا قد يطرأ عليها بعض التطور غير أنها تظل على رسوخها في المحصلة الأخيرة للبشر الذين يترنحون بإستمرار بين فعل الخير و إرتكاب الشر و أن جميع محاولات التربية منذ قديم االزمان إلى الأن ما تزال عاجزة عن نصرة الخير لدى الأفراد المؤمنين حقا بالخير ، و أن الأفراد الذين يميلون إلى إرتكاب الشرورأكثر عددا و أن النسبة التفاضل بين الفريقين هي دوما لصالح الأشرار ضد الأخيار، فالأديان السماوية الثلاث منذ آلاف السنين تحاول إنقاذ فضيلة الخير في صراعها مع رذيلة الشر و لم تستطع على الإطلاق أن تغير الطبيعة البشرية تغييرا كافيا للقضاء على الشرور .
إذا لم تستطع إذن الأديان و الفلسفات و الكتابات الإبداعية أن تهزم الأشرار حتى اليوم فهل يدفعنا هذا الوضع الأخلاقي للبشر إلى تفكير آخر محتواه أن وجود الشر لابد منه في حياة الناس إذ لا يمكن تصور الحياة في دنيانا من دون وجود الشر ، ذلك لأن وجود العقل لدى البشر كمنحة غالية وهبها الله للجنس البشري ، و معنى ذلك أن الخالق لم يتدخل في الشر تاركا للبشر الحرية في إستخدام عقلهم كموهبة حرة بعكس المخلوقات الأخرى.
هل يمكن إذن منطقيا فهم هذا الوضع البشري المختلف بوجود دماغ لديه من نوع مختلف عن دماغ الحيوانات و أرقى منها كثيرا و أن طبيعة الخلق الإلهي تكون كاملة الأوصاف لدى الطرفين : الإنسان و الحيوان إذ لا يصح القول بأن في عملية الخلق الإلهي نقصا لدى الحيوان و إكتمالا لدى الكائن البشري و كأننا بهذا التفكير نتهم الخالق الذي خلق الكون بكل تنويعاته بالتحيز لصالح البشر ضد الحيوان و االنبات .
بالطبع هذا تفكير غير وارد على الإطلاق ، و بهذا المعنى تتصف عملية الخلق إذن بالكمال المطلق إذ لا نقص فيها إطلاقا و أن الإنسان عاقل سواء صنفناه مع الأشرار أم مع الأخيار، فنحن لسنا ملائكة ، و الحيوانات ليست شياطين.
إن عملية الخلق الإلهي لا يمكن أن تكون ناقصة بل هي كاملة دوما و من دون التنوع فيها بوجود الشيء و نقيضه معا لا يمكن لأحد أن يميز الجمال عن القباحة إلا بوجود الإثنين : الجميل و القبيح معا و هكذا يمكن القول أننا كبشر لن نعرف ما هو الخير إلا بوجود الشر معه .. و أن صفة التنوع في عملية الخلق دليل على إكتمال هذه العملية و ليس على فوضاها أو تخلفها …و أخيرا…
إن كتابتي هذا الموضوع حق من حقوق الكاتب الحر و كل رجائي ألا تكون قد أساءت إلى أحد…