حكاية “جنيّ يركبك” !

كان هناك رجل عجوز في حارتنا عاش حرب الأربتعش ، أي الحرب العالمية الأولى. كان اسمه الشيخ محمد ، وهو محني الظهر، يرتدي طاقية بيضاء مصنوعة من خيوط الكركر، حفر الزمن خطوطاً على وجهه ، تراخت أجفانه، وخف نظره، ورسم البياض مساحة عليهما .
يختلف أهل الحارة حول عمره، فإذا كان عمره الحقيقي نحو تسعين عاما، فإنهم يتوقعون أن يكون قد تجاوز المائة، ومنهم من يقول مازحاً إنه تجاوز المئتي عام إن لم يكن أكثر !
كان هذا العجوز يرفض الركوب في السيارة من أي نوع كانت، فهو لم يقتنع أن هذا (الأتوموبيل، كما كان يسميه)، الذي له عجلات تشبه عجلات عربة يجرها حصان يمشي بدون جر ويسير وحده، فهذه معجزة !
كيف يسير وحده، وهو ليس حماراً ولا حصاناً ولا جملاً؟!
كيف يسير وحده وهو من حديد، والله لم يخلق كائنات حية من الحديد ؟!
كيف يسير وحده بلا تبن ولا شعير ولا شوك؟!
المسألة كانت تثير الدهشة عنده. ولايمكن الوصول معه إلى حل مقنع، فهذا (الأتوموبيل) هو جني. نعم جني، وكل (أوتوموبيل) هو جني.
ومسألة الجني لها تداخلات أخرى في حياتنا، فإذا تشيطن طفل ، فكسر قطرميزاً في البيت ، أو دفع الكرسي فأوقعه فوق أخيه الصغير، أو أهرق ماء الإبريق لأنه يمشي دون انتباه . تؤنبه أمه وتسأله : شو راكبك جني يا ابني ؟!
لاحظوا المفارقة التي ستحصل معنا هذه الأيام .
الحرب على السوريين طالت كل شيء في حياتهم…
وحق المنتقم الجبار . طالت كل تفاصيل الحياة إلى الدرجة التي حمل فيها السوريون صلبانهم ومشوا في طريق العذاب . والمآسي لا تُعدُّ ولا تُحصى كأنها لعنة أصابت الناس ، وآخر مانعيشه هذه الأيام هو مأساة البنزين .
ذاك العجوز ، الذي كان يعيش في حارتنا قبل أكثر من خمسين سنة، لم يكن يقتنع أن طعام الأوتوموبيل هو البنزين ، ولو كان يعيش حتى الآن كنا نحن في إحراج شديد تجاه قناعاته .
فالبنزين مغشوش. والسيارات لاتحتمل هذا النوع من البنزين، ولذلك كثرت حالات تعطل السيارات ووقوفها في الطرق الصاعدة أو الهابطة، وكنت أسمع ولا أصدق، أشاهد ولا أقتنع إلى أن حصلت القصة معي .
توقفت السيارة في عرض الطريق ، وكان الشارع ضيقاً في مشروع دمر، وكانت زوجتي معي، والوقت ليلا ً . والبنزين مغشوش ، وهذا يعني أن الأوتومبيل خاصتي حرن وتوقف والعياذ بالله !
ارتفعت أصوات الزمامير.
زوجتي لا تستطيع مساعدتي في دفع السيارة لنركنها في أقرب فراغ، وأنا أعجز عن دفعها وتوجيه المقود بآن واحد، والشارع الذي نحن فيه في اتجاه صاعد، أنا في ورطة، فماذا أفعل ؟!
تذكرت حكاية العجوز، الذي يعتقد أن الأتوموبيل جني .
وتذكرت تساؤلات الأمهات عن شيطنة الأولاد .
فإذا أنا أمام حل واحد هو أن احمل سيارتي على ظهري . نعم هذا الحل هو الحل الوحيد، وتوكلت على الله ، وقلت أنزل تحت السيارة وأحملُها ، وفجأة أقلعت عن الفكرة ، فكل من في الشارع سينظرون إلي، ويضحكون ، وهم يرددون :
ــ راكبك جني !
ــ راكبك جني !
هذا ما وصلت إليه المعادلة، فوقفت وأوقفت السير، ولم يكن أمام أصحاب السيارات إلى النزول لمساعدتي، في إبعاد الجني الذي كاد يركبني بدلا من أركبه ، عن وسط الطريق !