هل يدغدغ ترامب أحلام أردوغان العثمانية في شرق الفرات؟
إعلان الجانبين الأميركي والتركي عن التوصل إلى اتفاق في مباحثات أنقرة، يدلّ على أن المساومة بين الطرفين التي لم تتضح تفاصيلها قد حفظت لكل من ترامب واردوغان ما يسعيان إليه على المدى البعيد بانتظار إرساء المعادلات في المدى المنظور.
قد يكون أساس التقاسم الاميركي ــ التركي لمنطقة شرقي الفرات، هو ما عبّر عنه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في تأكيده “اقتراب الولايات المتحدة من وجهة النظر التركية” بشأن ما تدّعيه أنقرة من هواجس وتهديات استراتيجية لأمنها القومي. وفي عبارات مشابهة تطرّقت السفارة الاميركية في تركيا إلى موضوع الاتفاق.
الخلاف الاميركي ــ التركي على عمق “المنطقة الآمنة” يبدو أنه لم يتبدّد في المحادثات بين الوفدين في وزارة الدفاع التركية يومي 5 ــ 7 آب/ أغسطس الحالي. ومن المستبعّد موافقة تركيا على ما اقترحه المبعوث الاميركي على رأس وفد عسكري بتاريخ 23 تموز/ يوليو الماضي. وهو شريط أمني بعمق 5 كلم يليه شريط منزوع من السلاح بعمق 9 كلم. ومن المستبعَد موافقة واشنطن على المطلب التركي “بمنطقة آمنة” بعمق 32 إلى 40 كلم، ما يلغي إمكانية الوجود الاميركي والقوات الغربية بذريعة مكافحة “داعش”.
ترامب الذي لم تتجاوب مع دعوته ألمانيا وفرنسا وبريطانيا “لحفظ الأمن في منطقة أمنية”، يمكنه الاعتماد على الحليف التركي في التعويض عن الوجود العسكري من حلفاء أوروبيين والاتفاق على إنشاء “مركز عمليات مشتركة” كانت أنقرة تطمح أن تكون تحت السيطرة التركية. ففي سبيل المحافظة على الحليف التركي برّر ترامب في قمة العشرين مسعى اردوغان لامتلاك منظومة أس 400 الروسية. ولا يزال يرى تركيا حليفاً لأميركا في سوريا وشمالي العراق وامتدادا إلى القرم وأوكرانيا وجورجيا والبحر الأسود، على الرغم من ارتفاع التبادل التجاري بين أنقرة وروسيا إلى نحو 40 مليار دولار.
الرئيس التركي الذي يعلن عن تدخل ثالث وشيك لتوسيع احتلال الشمال السوري، يهدّد منبج ويسعى إلى التمدّد من عفرين والباب وجرابلس وأعزاز والراعي ومنطقة شمالي شرق الفرات. فالاتفاق على “ممر آمن” إلى هذه المنطقة، يوفر لأردوغان التغيير الديموغرافي في الشمال السوري والشمال العراقي لحشد الجماعات من أصول تركمانية وجماعات عربية وكردية موالية، كما كانت الذريعة التركية في احتلال الشمال السوري والعراقي وفق “الميثاق الملّي” عام 1920 الذي ألغته اتفاقية لوزان في 23 نيسان/ أبريل عام 1923.
اردوغان يخطط لاستغلال انتهاء صلاحية اتفاقية لوزان في العام 2023، بعد مرور مئة سنة على ابرامها، للعودة إلى ما قبل الاتفاقية في التوسّع باتجاه قبرص واليونان والبحر الأسود استناداً إلى التنقيب عن النفط والغاز وإلى احتلال شمالي سوريا والعراق استناداً إلى الدعوة لاستفتاء سكان هذه المناطق التي كانت موالية لتركيا وخلوّها من أغلبية عربية. وربما يعزّز الاتفاق الحالي مع واشنطن وفاق الجانبين على انعاش التحالف التركي ــ الكردي التاريخي بين القوميين الاتراك وحزب العدالة والتنمية من جهة وبين جماعات البيشمركة من جماعة البرزاني وجماعات “المجلس الوطني” الكرد من جهة ثانية. فهذا الأمر سعى إليه اردوغان في بداية الأزمة السورية مع صالح مسلم قبل تصنيف الحزب الديمقراطي وقوات حماية الشعب على لائحة الارهاب التركية.
التحالف التركي مع الكرد أثناء التصويت على “ميثاق ملّي” عام 1920، انقلب عليه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك عام 1932 في القضاء على القيادات التركية الموالية لتركيا تحت تأثير نمو الحركة القومية التركية. فالرئيس التركي رجب طيّب اردوغان الذي يدغدغ له ترامب أحلام احتلال شمالي الفرات من دون خسائر عسكرية في العودة إلى عام 1920، هو أسير الحركة القومية التركية الحديثة التي أمّنت له الوصول إلى سدّة الرئاسة وفي المراهنة على التوسّع في سوريا والعراق لتنصيبه بطلا قومياً والحدّ من أزمات داخلية عميقة كشفته خسارة بلديات أنقرة واسطنبول. لكن أردوغان الذي يلتحق في الصعود إلى مركب ترامب المهدّد بالغرق في سوريا والمنطقة، قد لا تسعفه الأحلام العثمانية.
الميادين نت