لماذا نُحذِّر نِتنياهو من خُطورة المُعادلة الجديدة في لبنان: التّدمير مقابل التّدمير.. والحرب لم تعُد طريقًا من اتّجاهٍ واحدٍ؟
أن تمُر أربعة أيّام ولم يُنفّذ “حزب الله” ضربته الانتقاميّة التي من المُفترض أن تستهدف مواقع عسكريّة إسرائيليّة، مثلما توعّد السيّد حسن نصر الله، فهذا يعني أنّها لن تكون “شكليّة”، وإنّما “نوعيّة” مُؤلمة ممّا يتطلّب إعدادًا جيّدًا من قبَل القيادة العسكريّة وخُبراء غرفة عمليّاتها المُكلفة بمِثل هذا النوع من المَهمّات.
التّحذيرات التي صدرت عن بنيامين نِتنياهو في اليومين الماضيين، وطالب فيها السيّد نصر الله واللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، بل والسّلطة اللبنانيّة أيضًا، بالهُدوء، وتوخّي الحذر في أقوالهم وأفعالهم تُؤكّد ما ذكرناه آنفًا، من حيثُ عكسها حالة القلق والرعب التي تجتاح الدولة العبريّة بسبب حتميّة الرّد الانتقامي، وربّما جاء التّأخير لزيادة الألم والمُعاناة والقلق.
فلو كان نِتنياهو واثقًا من نفسه، وقُدراته العسكريّة لما استجدى “خُصومه” باللّجوء إلى التّهدئة، والتحلّي بالحَذر، ولما أعلن حالة الطوارئ القُصوى ليس في داخل فِلسطين المُحتلّة، وإنّما أيضًا في سفارات بلاده والمدارس والمعابد اليهوديّة في العالم بأسره، ولا بُد أنّه يعلم جدِّيًّا أنّ هؤلاء مُجتمعين قد حسَموا أمرهم، واتّخذوا القرار بالرّد المُؤلم، ولا يخشون تهديداته مُطلقًا.
الجناح العسكري لـ”حزب الله” أقدم على أعمالٍ انتقاميّةٍ في السابق كردٍّ على اغتيالات إسرائيليّة لبعض قادته الميدانيين مِثل الشهداء سمير قنطار وجهاد مغنية، بل والحاج عماد مغنية نفسه، وكان القاسم المُشترك في جميع هذه الأعمال أنّها كانت فوريّة، أو بعد أيّام معدودة، ومحدودة، واستهدفت عرَبات عسكريّة مُدرّعة على الحُدود مع مزارع شبعا، ولتجنّب توسيع دائرة الحرب، لأنّ الحزب لم يكُن جاهزًا عسكريًّا، لانشغاله في الحرب السوريّة التي تحتل أولويّة بالنّسبة إليه في حينها أوّلًا، وعدم وجود هذا العدد الهائل من الصّواريخ الدقيقة، والطائرات المُسيّرة ثانيًا، والخِبرة القتاليّة العالية ثالثًا، وازداد محور المُقاومة قوّةً رابعًا.
الظّرف تغيّر الآن، والجيش العربي السوري استعاد حواليّ 80 بالمِئة من أراضي الدولة، و”حزب الله” سحَب مُعظم قوّاته التي كانت تُقاتل على الجبَهات ولعِبَت دورًا كبيرًا في تحقيق هذا الإنجاز، وأعاد ترتيب سُلّم أولويّاته، واضعًا مُواجهة أيّ عُدوان إسرائيلي على قمّتها.
كان لافتًا أنّ السيّد نصر الله حرِص في خطابه الأخير على التركيز بأنّ الرّد الانتقامي لن يكون محصورًا في مزارع شبعا، وأنّ كُل الحدود اللبنانيّة مع دولة الاحتلال، علاوةً على مِنطقة الجليل المُحتلّة، ستكون ميدانًا له.
نعم، لا نُجادل مُطلقًا بأنّ هُناك حرب نفسيّة تشنّها دولة الاحتلال الإسرائيلي وأجهزتها الأمنيّة، وبعض المُتواطئين معها من العرب وامبراطوريّاتهم الإعلاميّة، تُركّز على تبنّي هذه التّحذيرات التي أطلقها نِتنياهو، ومُحاولة ترهيب “حزب الله” من الرّد الإسرائيلي السّاحق عليه، وعلى لبنان، في حال نفّذ تهديداته، ولكنّها حرب مكشوفة لا يحتاج المرء الكثير من الجُهد لمعرفة أهدافها، خاصّةً في نُبوغ العُقول الجبّارة التي تملكها المُقاومة.
نُقطة أساسيّة نوَد في هذه العُجالة أن نلفِت نظر نِتنياهو إليها، وهي أنّ مخاطر الرّد الثّاني من قبل “حزب الله” على أيّ عُدوان جديد آخر لنِتنياهو على لبنان ستكون مُدمّرةً وخطيرةً جدًّا نشرح أكثر ونقول، أنّ أيّ عُدوان إسرائيلي مُضاد ومُوسّع على لبنان سيُواجه بردٍّ بالقدر نفسه، إن لم يكُن أكبر ومن عدّة جبهات وسيكون ربّما الأكثر تدميرًا لإسرائيل نفسها، لأنّ جميع مُدنها، وأهدافها الحيويّة، من مطارات وموانئ، ومحطّات مياه وكهرباء، ومصانع، وخزانات الأمونيا، ستكون هدفًا لمِئات الآلاف من الصّواريخ الدقيقة، فلن تكون هُناك حرب ثانية تستدعي الاحتِفاظ بهذه الصواريخ.
عندما اعتدى الجيش الإسرائيلي على لبنان في تموز (يوليو) عام 2006، لم يكُن هُناك مِئات الآلاف من الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة “درونز” في ترسانة “حزب الله” العسكريّة، ولا في مثيلاتها في قِطاع غزّة وسورية والعِراق “الحشد الشعبي”، وحتى في اليمن أيضًا، ناهيك عن إيران.
المُعادلة الجديدة في أيّ معركة قادمة، ستكون تدمير إسرائيل ردًّا على أيّ تدمير للبنان، أيّ أنّها لن تكون معركة تدميريّة من اتّجاهٍ واحدٍ، مثلما كان عليه الحال قبل 13 عامًا، ولا بُد أنّ نِتنياهو وقادته العسكريين يُدركون هذه الحقيقة جيّدًا، ولذلك سيَعُدّون للمِليار قبل أن يُفكّروا بتدمير لبنان.
ربّما لا نُبالغ إذا قُلنا أن المجلس اللبناني الأعلى للدفاع الذي انعقد برئاسة العماد ميشال عون، وعضويّة الرئيسين سعد الحريري، ونبيه بري وقادة الجيش اللبناني كان يضع هذه الحقائق في حسابه عندما أكّد حق اللبنانيين في الدفاع عن أنفسهم والرّد على أيّ عُدوان إسرائيلي في وحدةٍ وطنيّةٍ فريدةٍ وربّما غير مسبوقة.
ولعلّ عدم رد الولايات المتحدة، الدولة الأعظم في العالم، على إسقاط طائرتها المُسيّرة من قبل صاروخ إيراني هو الخوف من الرّد على الرّد، والخسائر الكُبرى التي ستلحق بالناقلات والبوارج والقواعد الأمريكيّة في مياه الخليج، والدول العربيّة التي تحتضنها، الرّعب الأمريكي من الرّد الإيراني هو الذي دفع ترامب على التحلّي بالحِكمة، وهو المُتهور، وهو الخوف نفسه الذي ربّما سيدفع تلميذه نِتنياهو فِعل الشّيء نفسه.
لا نستبعِد أنّ السيّد حسن نصر الله وقادته العسكريين، يتمهّلون في تنفيذ هذه الضربة من أجل توقيتها قبل أيّام معدودة من الانتخابات الإسرائيليّة (يوم 17 أيلول المُقبل) لكي يُحدّد نتائج هذه الانتخابات، وإسقاط نِتنياهو بالتّالي، أيّ أن ينقلب سحره (نِتنياهو) عليه، فالسيّد نصر الله قال في الخِطاب الأخير أنّ نِتنياهو يُريد الفوز بهذه الانتخابات على حِسابِ دمِ النّاخب الإسرائيلي.
هذه الحرب النفسية لن تُؤثّر في قرار “حزب الله” وحجم الرّد الانتقامي وطبيعته، أو هكذا نعتقد من خِلال مُتابعتنا لإرث المُقاومة المُشرّف لهذا الحزب، وإيمان قيادته بالنّصر، ونُعيد التّذكير بأنّنا على أعتاب مُفاجأةٍ كُبرى انتظرتها الملايين في العالمين العربيّ والإسلاميّ.. والأيّام بيننا.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية