بعد طرد بولتون من منصبه: هل حانَ الوقت لكيّ يمُد السيّد خامنئي رجله؟
غادر جون بولتون منصبه كمستشار للأمن القومي الأمريكي دون أن يُحقّق حلمه بالاحتفال بتغيير النظام الإيراني مع المُعارضة في طِهران، مثلما تعهّد لزُعمائها في خِطابه الذي ألقاه في مُؤتمرها السنوي في باريس قبل عام، ودون أن يُنصَّب خوان غوايدو زعيمًا لفنزويلا مكان نيوكولاس مادورو، وقصف بيونغ يانغ عاصمة كوريا الشمالية أيضًا، والقائمة تطول.
شخصيّاتٌ عديدةٌ ستُصاب بحالةٍ من الاكتئاب فور تلقّيها نبَأ طرد بولتون من منصبه ، أبرزهم بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبعض القادة الخليجيين، خاصّةً في السعوديّة ودولة الإمارات الذين كانوا يُراهنون عليه لتوجيه ضربات نوعيّة ضِد إيران بحُكم منصبه، تؤدّي إلى إطاحة النظام، وإحلال حُكومة مُوالية لأمريكا ومُخطّطاتها في المِنطقة، يكون أوّل قرارتها فتح سفارة للدولة العبريّة في قلب طِهران.
بولتون الذي جاء إلى البيت الأبيض بسبب مواقفه المُتشدّدة تُجاه العرب والمُسلمين عارَض، ويُعارض، سحب القوّات الأمريكيّة من أفغانستان والعِراق وسورية، وكان يُحرِّض رئيسه ترامب على تدمير الدول الثلاث، حتى لو تطلّب الأمر استخدام قنابل نوويّة تكتيكيّة.
اللّافت هو ادّعاء ترامب أنّ أسباب فصل مُستشاره بولتون تعود إلى خلافاتٍ معه حول العديد من القضايا، وهو ادّعاء مُثيرٌ للسخرية، لأنّ ترامب عيّنه في هذا المنصب المُهم لأنه يتبنّى مواقف مُتشدّدة في مُعظم الملفّات الساخنة، وخاصّةً إيران وكوريا الشماليّة وفنزويلا، وليس هُناك أيّ تفسير لهذا التّناقض غير القول بأنّ ترامب استخدم بولتون كورقة ترهيب، وعندما لم تُعطِ هذه الخدعة “أوكلها”، أيّ لم تركع إيران وفنزويلا وكوريا الشماليّة، وترفع رايات الاستسلام البيضاء بعد فرض العُقوبات الأمريكيّة المُشدّدة، انتهى دور الأخير، أيّ بولتون، وجرى القذف به، مِثل آخرين إلى سلّة المُهملات، وبطريقةٍ مُهينةٍ.
ترامب يُهدّد بالحرب، ولكنّه أجبَن من خوضها، ويعتقد أنّه يستطيع بالمُفاوضات أخذ كُل ما يُريد من تنازلاتٍ من خُصومه، لأنّه لا فرق عنده بين القضايا الدوليّة والصفقات العقاريّة، ولهذا لم يتوقّف عن استجداء اللّقاءات مع رئيسيّ كوريا الشماليّة وإيران، وفشِل مرّتين مع الأوّل، ولم يحظَ بشرف الاجتماع مع الثاني حتى الآن على الأقل، ومن غير المُستبعد أن يكون بولتون هو كبش الفِداء لعقد القمّة الأمريكيّة الإيرانيّة على هامِش اجتماع الجمعيّة العامّة في نيويورك بعد أُسبوعين.
شُيوخ حركة طالبان الذين تفاوضوا مع إدارة ترامب وممثّلها زلماي خليل زاد ثماني أشهر في قطر وحصلوا على مُعظم التّنازلات المطلوبة من الرئيس ترامب دون أن يُقدّموا أيّ تنازل مُهم في المُقابل، ربّما كانوا هُم القشّة التي قصَمت ظهر بعير بولتون الذي كان يُعارض المُفاوضات معهم، وأيّ سحب للقوّات الأمريكيّة من أفغانستان، والقمّة السريّة معهم في كامب ديفيد التي أُلغِيَت الأحد الماضي.
احتمالات الحرب على إيران قد تكون تراجعت كثيرًا بعزل بولتون من منصبه، ولا نستبعِد أن يُقيم بعض مُؤيّديها، بَل والمُتلهّفين عليها في مِنطقة الخليج سرادق الحداد لتقبّل التعازي في رحيله، ولن نكون من بين المُعزّين لأسبابٍ معروفةٍ لا مَجال لشرحِها.
هل نُبالغ إذا قُلنا أنّه حان الوقت لكيّ يمُد السيّد خامنئي رجله؟ ربّما الأمر كذلك.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية