هل بدَأ موسم الهِجرة السوريّة إلى الشمال؟ وماذا يعني عودة 150 ألفًا منهم مُنذ فتح معبر جابر الحدودي الأردني السوري قبل عام؟ وأين أخطأت السلطات الأردنيّة وأين أصابت؟

 

أن يعود 150 ألف سوري كانوا يُقيمون في الأردن نسبة كبيرة منهم بصفَة لاجئين إلى بلادهم مُنذ فتح المعبر الحدوديّ بين البَلدين قبل عام، وبصفةٍ طوعيّةٍ، فهذهِ الخطوة تصُب في مصلحة السلطات السوريّة، وتعكِس استقرار الأوضاع في الأشهُر الأخيرة، وتراجُع أعمال العُنف، وتَعلُّق السوريين وعِشقهم لبلادهم.

وزارة الداخليّة الأردنيّة التي نشَرت هذه الأرقام الأردنيّة في بيانٍ رسميٍّ أكّدت التزام السّلطات الأردنيّة بمبدأ العودة الطوعيّة للاجئين واتّخاذ كافّة الإجراءات اللّازمة في هذا الصّدد من المُفارقة أن هذا الإعلان تزامن مع أنباء شبة مُؤكّدة أيضًا بعودة آلاف السوريين المُهجّرين إلى قُراهم وبلداتهم بريفيّ حماة وإدلب الجنوبيين، عبر معبر صوران بريف حماة الشمالي بعد استعادة الجيش العربي السوري لهذه المناطق، ولا نَستبعِد عودة مِئات الآلاف بعد حسم الوضع في مدينة إدلب، وإقامة ممرّات آمِنة للمدنيين.

السوريّون هُم من أكثر الشّعوب في العالم حِرصًا للبقاء في بلدهم، ورفضًا للهجرة، وتَمسُّكًا بالكرامة الوطنيّة، وكُل ما يتطلّعون إليه هو الأمن والاستقرار واحترام حُقوق الإنسان والقضاء على منظومة الفساد، ويبدو أنّ هُناك تحسُّنًا مضطّردًا في بعض هذه الميادين في ظِل صُمود الدولة السوريّة في وجه مُؤامرات التّفتيت المدعومة أمريكيًّا وإسرائيليًّا، ونجاح الجيش السوري في استعادة مُعظم الأراضي إلى سيادة الدولة السوريّة.

لا نُجادل مُطلقًا في أنّ السلطات الأردنيّة، ورغم ظُروفها الاقتصاديّة الصّعبة تعاطَت بصُورةٍ إنسانيّةٍ وحضاريّةٍ مُشرّفة مع اللاجئين السوريين وعامَلتهم كأشقّاء يستحقّون المُساعدة والحِفاظ على كرامتهم الوطنيّة، ومن يزر الأردن هذه الأيّام يجِد الآلاف من المطاعم والمحلّات التجاريّة والشّركات التي يملكها سوريّون وتلعب دورًا كبيرًا في دعم الاقتصاد الأُردني وازدهاره، فالشعب السوري شَعبٌ مُبدعٌ وخلّاقٌ يُقَدِّس قِيَم العمل والمُنافسة.

يُسَجِّل للأُردن، حُكومةً وشعبًا، عدم مُمارسة أيّ نوع من المُضايقات على اللاجئين السوريين، والعِراقيين، والفِلسطينيين من قبلهم إلا ما ندر، والكمال لله وحده، صحيح أنّ المنظّمات الدوليّة قدّمت مُساعدات إنسانيّة تُقدّر بمِئات الملايين من الدولارات لتَخفيف مُعاناة هؤلاء اللاجئين، واستفاد الأردن بطُرقٍ غير مُباشرةٍ من بعضها لأنّها عزّزت اقتصاده، ولكنّ المسؤولين الأردنيين أكّدوا دائمًا أنّ ما يُقدّمه المُجتمع الدولي في هذا المِضمار أقل بكثيرٍ من المطلوب، وأنّ هؤلاء أشقّاء وضحيّة للعُنف في وطنهم.

نحنُ على ثقةٍ بأنّ الثّلاثة ملايين لاجِئ سوري الذين يتواجدون حاليًّا في تركيا، ويُواجِه بعضهم المُضايقات العنصريّة في الفترة الأخيرة، يتطلّعون للعودة إلى وطنهم إذا تهيّأت لهُم سُبل العودة، والحياة الكريمة، ولا يُريدون أن يُستَخدموا كورقةٍ سياسيّةٍ في يَد هذه الدولة أو تلك، أو يُوطّنون رُغمًا عنهم في مِنطقةٍ آمنةٍ في الشّمال أو الجنوب، السوريّون يُريدون العودة إلى مُدنهم وقُراهم، ودولتهم، فهِي الحاضنة الطبيعيّة الحَنون، وحنيّة عليهم، بالمُقارنة مع مُعاناتهم في المَنافي، خاصّةً إذا جرى الاعتِراف ببعض الأخطاء، ووجود الرّغبة والإرادة لإصلاحِها.

لم تُفاجئنا الدّراسة التي أجرتها المفوضيّة السامية لشُؤون اللّاجئين، ونشَرتها قبل بِضعَة أيّام، وأكّدت نتائجها أنّ 75 بالمِئة من اللّاجئين السوريين لديهم رغبةً قويّةً في العودة إلى ديارهم، لأنّنا نعرف الشعب السوري جيّدًا، مِثلَما نعرِف مدى تمسّكه بأرضه، واستعداده للشّهادة دِفاعًا عن سِيادتها واستِقلالها ووحدتها الوطنيّة والترابيّة.

خِتامًا نتمنّى على السّلطات الأردنيّة أن لا تكتفي برفع القُيود وتسهيل عودة اللّاجئين السوريين إلى بلادهم، وإنّما رفع القُيود على مُواطنيها ورجال أعمالها الذين يُريدون استئناف علاقاتهم التجاريّة مع الشّقيقة سورية استجابةً لضُغوطٍ أمريكيّةٍ، وتطبيع العُلاقات التجاريّة والسياسيّة وعودة الأُمور إلى وضعِها السّابق.

من المُؤلم أن ترضَخ الحُكومة الأردنيّة للتدخّل المُهين من قبل المُلحق التجاريّ في السّفارة الأمريكيّة في عمّان الذي هدّد رجال الأعمال الأردنيين بوضعهم على قائمة الإرهاب إذا ما مارسوا أيّ أعمال تجاريّة في سورية، فمِثل هذا المُلحق يجِب أن يُطرَد من الأردن فورًا لأنّه يتدخّل بطريقةٍ فجّةٍ ووقحةٍ في شأنٍ داخليٍّ أردنيّ.

نتَطلّع إلى عودة الاستقرار والأمن وبِدء عمليّة إعادة الإعمار في سورية في أسرعِ وقتٍ مُمكنٍ، وفي توازٍ مع انطلاق العمليّة السياسيّة التي جرى وضع أُسسها في منظومتيّ سوتشي وآستانة، ممّا يُؤدّي إلى إعادة بناء سورية الجديدة على أُسسِ الديمقراطيّة والحُريّات والمُساواة واحترام حُقوق الإنسان، ولا نعتقِد أنّ لاجئًا سُوريًّا واحِدًا سيَبقى في مُخيّمات اللُّجوء.. ولا نعتقِد أنّ هذا اليَوم باتَ بعيدًا.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى