إردوغان إذ يهدّد ترامب ويتوعّد بوتين والأسد

 

هدّد الرئيس الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، نظيره الأميركي، دونالد ترامب، بمتابعة العمليات العسكرية شرقي الفرات، إذا لم يتمّ تطبيق الاتفاق الأميركي ــــ التركي بحذافيره حتى مساء غد الثلاثاء. وقال إردوغان إن «الجيش التركي مصمّم على طرد الإرهابيين وسحق رؤوسهم مهما كلف ذلك تركيا»، مؤكداً قرار أنقرة إقامة المنطقة الآمنة على طول الحدود التركية ــــ السورية بعمق 32 كلم داخل الأراضي السورية بعد الانسحاب الكامل للقوات الأميركية والفرنسية والبريطانية والإيطالية الموجودة شرقي الفرات عموماً. لكن لم يهمل إردوغان، ومن بعده وزيرا الخارجية مولود جاويش أوغلو والدفاع خلوصي آكار، الحديث عن مباحثات مهمة سيجريها مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، غداً أيضاً، إذ طالبوه بـ«طرد الإرهابيين» (المقصود بهم المسلحون الأكراد من المناطق التي دخلها الجيش السوري في منبج وعين العرب والرقة والحسكة)، وهو ما لم يعترض عليه إردوغان الأسبوع الماضي.

كل ذلك مع استمرار التناقضات الكلامية والعملية حول تفاصيل الاتفاق التركي ـــ الأميركي، وبالتالي التفاهمات الروسية ــــ التركية التي يبدو واضحاً منها جميعاً إبعاد «وحدات حماية الشعب» الكردية وقوات «قسد» من الشريط الحدودي أولاً ما بين رأس العين وتل أبيض، حيث القوات التركية، ومن ثم من على طول الحدود من عين العرب إلى القامشلي. ودون أن يمنع ذلك إردوغان من الحديث عن إقامة «المنطقة الآمنة» وإسكان مليون سوري في هذه المنطقة التي يقول الإعلام التركي إنها قد تتحول إلى مركز تجمع لكل المسلحين الموالين لتركيا مع عائلاتهم، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من عناصر «جبهة النصرة» الأجانب أو السوريين ممن سيغادرون إدلب بعد الاتفاق النهائي المتوقع أن يتوصل إليه بوتين وإردوغان غداً في سوتشي.

قدر الإعلام التركي عدد هؤلاء بنحو 25 ألفاً مع عائلاتهم، ومعظمهم من الشيشانيين ومسلمي الإيغور الصينيين. وتحدث الإعلام عن نقل نحو 500 من عناصر «داعش» من الشمال السوري إلى منطقة تل أبيض، وذلك بالتنسيق مع القوات الأميركية، وتم نقل المواطنين الأتراك منهم إلى مدينة أورفا على الحدود مع سوريا. المعلومات حول مسلحي «داعش وعائلاتهم» وأرامل وأطفال المقتولين منهم، الذين سينقلون إلى تركيا، تقدر أن يصل عددهم إلى 15 ألفاً، وهو ما طلبه ترامب من إردوغان مقابل موافقته على التوغل التركي. وهو ما عاد واعترض عليه عبر تغريداته الشهيرة، إذ هدّد بتدمير إردوغان واقتصاد تركيا، داعياً إياه إلى الحوار المباشر مع «قسد» و«وحدات حماية الشعب» الكردية وأن «لا يكون متعنتاً وغبياً وشيطاناً». لكن تهرّب الرئيس التركي من الرد على هذه الإهانات بسبب «المودة والثقة المتبادلة» بينه وبين ترامب، على حد قوله، فيما يتحدث الإعلام التركي عن أسباب حقيقية لهذا السكوت والموافقة على وقف العمليات العسكرية شرقي الفرات، ومنها تهديدات الجانب الأميركي بالتحقيق في ثروة إردوغان الشخصية مع عقوبات مباشرة تستهدفه وأفراد عائلته.

كل ذلك مع استمرار الاتصالات السرّية بين واشنطن وأنقرة في مجمل الأمور الأخرى التي تعرقل صفو العلاقات، وقد بحثها نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، والوفد السياسي والعسكري والاقتصادي والاستخباري المرافق له مع المسؤولين الأتراك في أنقرة، ولكن دون التطرّق إليها في البيان المشترك. وتتوقع الأوساط السياسية للقاء إردوغان ــــ ترامب، في الثالث عشر من الشهر المقبل، إن لم يؤجله ترامب لسبب ما، أن يحسم مجمل الأمور المعلّقة بين البلدين، ليساعد ذلك ترامب في التصدّي لضغوط الكونغرس، بجناحَيه الديموقراطي والجمهوري، وخاصة أن الأخير يطالبه بفرض عقوبات صارمة على تركيا بحجة عدوانها على الأكراد.

مع ذلك، ليس واضحاً كيف سيتعامل إردوغان مع جميع هذه المعطيات بتداعياتها الداخلية والخارجية مع استمرار موقفه الرافض للمصالحة مع الرئيس السوري، بشار الأسد، وهو ما يسعى إليه بوتين. فقد قال إردوغان إن القوات التركية ستنسحب من جميع الأراضي السورية وتسلّمها للحكومة الشرعية المنبثقة عن أعمال «اللجنة الدستورية»، علماً بأنه يتعرّض لهجوم عنيف من بعض الإعلاميين والأكاديميين والجنرالات المتقاعدين بسبب تبنّيه ما يسمى «الجيش الوطني السوري» وتسليحه وتمويله، ما يعكس عدم نية أنقرة المصالحة مع دمشق، باعتبار أن هذا «الجيش» الذي يشرف عليه ضباط أتراك يتناقض مع القانون الدولي، وقبل ذلك مع حديث إردوغان عن وحدة سوريا واستقلالها وسيادتها الوطنية. كما يتناقض مع فكرة «المنطقة الآمنة»، ما دامت «وحدات حماية الشعب» الكردية ستبقى جنوب هذه المنطقة، وهذه المرة بدعم من الجيش السوري الذي سيكون وجهاً لوجه مع القوات التركية ومعها مسلحو «الوطني»، وهم في نظر دمشق خونة وعملاء وإرهابيون.

وجاء حديث إبراهيم كالين، وهو مستشار إردوغان، عن «مسؤولية تركيا عن سبعة ملايين سوري» ليثير التساؤلات، باعتبار أن عدد السوريين في تركيا هو 3,5 ملايين، والباقي هم في المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية غربي الفرات وشرقيّه. وهو ما اعتبره البعض مؤشراً على نية أنقرة البقاء في هذه المناطق التي تقدم فيها تركيا الخدمات كافة، كالمستشفيات والمدارس والجوامع والمياه والكهرباء والجامعات والتدريس فيها باللغة التركية والإنكليزية والعربية، فيما يتعامل الناس فيها بالليرة التركية التي تدفع بها أنقرة مرتّبات عشرات الآلاف من السوريين المدنيين منهم والمسلحين من الذين يتعاونون معها في مختلف القطاعات والمجالات، وطالما أن الحل النهائي للأزمة السورية لا يزال بعيداً!

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى