تأجج الأزمة الدبلوماسيّة بين الأردن والكيان وتل أبيب تكشِف: بعد رفضه طلبًا إسرائيليًا للاجتماع معه الملك عبد الله ناقش عرضًا لطرد سفير الاحتلال وتخفيض مُستوى التمثيل
بات واضحًا وجليًا أنّ العلاقات بين عمّان وتل أبيب تشهد أزمةً دبلوماسيّةً صعبةً للغاية، وأنّ هذا الأزمة في طريقها إلى التفاقم أكثر ممّا عليه الآن، وبالمُقابِل فإنّ مزاعم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بأنّ وضع الكيان في الساحة الدوليّة بات قويًا، لا تمُتّ للحقيقة بصلةٍ.
وفي هذا السياق، ونقلاً عن مصادر سياسيّةٍ رفيعةٍ في كلٍّ من عمّان وتل أبيب، كشف مساء أمس السبت، مُراسِل الشؤون السياسيّة في القناة الـ13 بالتلفزيون العبريّ، باراك رافيد، عن أنّ العاهل الأردنيّ، عبد الله الثاني، درس طرد سفير الكيان من عمّان أوْ تخفيض مستوى العلاقات، وذلك ردًّا على إعلان نتنياهو، نيّته ضمّ الأغوار بعد الانتخابات إلى السيادة الإسرائيليّة، وذلك عشية الانتخابات الإسرائيليّة الأخيرة، وتحديدًا في 10.09.2019.
ونقل المُراسِل رافيد، المُقرّب جدًا من المؤسسة الأمنيّة في تل أبيب، نقل عن موظّفٍ إسرائيليٍّ واسع الاطلاع قوله إنّ العاهل الأردنيّ قام بإجراء مُشاوراتٍ مع مُستشاريه ومُقرّبيه أفضت إلى اتخاذه قرارًا بتجاهل تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيليّ، كيْ لا يُقدِّم له خدمةً مجانيّةً في معركته الانتخابيّة، كما لفت المسؤول عينه إلى أنّ الديوان الملكيّ الأردنيّ فوجئ من تصريحات نتنياهو حول ضمّ الأغوار وشمال البحر الميّت لسيادة كيان الاحتلال.
ومن الجدير بالذكر في هذه العُجالة، التذكير بأنّ صحيفة (هآرتس) العبريّة كشفت النقاب، نقلاً عن مصادر سياسيّةٍ عليمةٍ جدًا بالكيان، عن وجود طلبٍ إسرائيليٍّ رسميٍّ للقاء الملك عبد الله، بشأن الأزمة الخاصّة بمنطقتي الباقورة والغمر، مُوضِحةً أنّه منذ إعلان الأردن قبل سنة تقريبًا عن عزمه تطبيق البند الموجود في ملحق اتفاق السلام، والمعروف بـ”اتفاق وادي عربة”، والقاضي بإمكانية استرجاع الباقورة والغمر للسيادة الأردنيّة بعد انتهاء فترة الإيجار المستمرة منذ 25 عاما، يتِّم إجراء مفاوضاتٍ سياسيّةٍ بين الطرفين، وحتى الآن بدون نتائج بارزة، علمًا بأنّ العلاقات الأمنيّة، خلافًا للسياسيّة، وصلت إلى ذروتها بين عمّان وتل أبيب، وفقًا للمصادر الرفيعة في تل أبيب، من المُستويين السياسيّ والأمنيّ على حدٍّ سواء.
وعشيّة الانتخابات الأخيرة في الـ17 من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، قطع نتنياهو على نفسه عهدًا بإعلان السيادة الإسرائيليّة على الأغوار وشمال البحر الميت، إذا ما تمّ انتخابه وتكليفه بتشكيل الحكومة، مشدّدًا على أنّ ذلك سيتّم بتنسيقٍ كاملٍ مع الرئيس الأمريكيّ ترامب.
وكان هذا التصريح بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير، إذْ صرحّ رئيس مجلس النواب الأردنيّ، عاطف الطراونة بأنّ إعلان رئيس الوزراء الإسرائيليّ وضع اتفاقية السلام بين عمّان وتل أبيب، التي تمّ التوقيع عليها في الـ26 من شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) 1994 على المحك، مُضيفًا أنّ مجلس النوّاب يرفض جميع التصريحات العنصريّة الصادرة عن قادة إسرائيل، واتهمّ الكيان بأنّه بتصرفاته العدوانيّة وضع اتفاق السلام (اتفاق وادي عربة) على المحك، على حدّ تعبيره.
بمُوازاة ذلك، شدّدّ وزير الخارجية الأردنيّ، أيمن الصفدي، على أنّ إعلان نتنياهو يُعتبر تصعيدًا خطيرًا ينسف الأسس التي قامت عليها العملية السلمية ويدفع المنطقة برمتها نحو العنف وتأجيج الصراع، مؤكِّدًا رفض المملكة إعلان رئيس الوزراء الإسرائيليّ، مُعتبِرًا إيّاه خرقًا فاضِحًا للقانون الدوليّ وتوظيفًا انتخابيًا سيكون ثمنه قتل العملية السلميًة، وتقويض حقّ المنطقة وشعوبها في تحقيق السلام، على حدّ تعبيره.
وكانت العلاقات الأردنيّة-الإسرائيليّة قد تفاقمت بعد أنْ نقضت إسرائيل تعهدها بتشييد مشروع قناة البحرين، كما أنّ مُوافقة عمّان على استيراد الغاز من تل أبيب أثار حفيظة الشعب الأردنيّ، الذي اعتبر ذلك تطبيعًا مع كيان الاحتلال، وممّا زاد الطين بلةً قيام حارس سفارة تل أبيب بالمملكة بقتل مُواطنين اثنين أردنيين، وهربه لبلاده وقيام نتنياهو باستقباله استقبال الأبطال، الأمر الذي أجّج الأزمة بين البلدين.
عُلاوة على ما ذُكِر آنفًا، قال رئيس الموساد (الاستخبارات الخارجيّة) الأسبق، إفراييم هليفي مؤخرًا، بمُناسبة مرور 25 عامًا على توقيع اتفاق السلام بين إسرائيل والأردن، “إننّي أرى خطرًا كبيرًا على اتفاق السلام مع الأردن، ولا أتهِّم المملكة بذلك، بل أُوجِّه أصابع الاتهام لإسرائيل”.
وأضاف الرجل، الذي قاد المحادثات والمفاوضات السريّة مع الأردنيين، والتي أدّت لتوقيع الاتفاق عام 1994، أضاف أنّه في السنوات الأخيرة ابتعدت الحكومات الإسرائيليّة عن المملكة، بالإضافة إلى احتقار الأردن والتقليل من وزنه والاستخفاف به، وذلك في نفس الوقت الذي تحوّل وضع المملكة الجيو-سياسيّ إلى سيءٍ للغاية، وذلك بسبب الأحداث التي عاشتها المنطقة في السنوات الأخيرة، وبشكلٍ خاصٍّ المؤامرة الكونيّة ضدّ سوريّة منذ العام 2011، والتي أدّت لنزوح أكثر من مليون سوريٍّ إلى المملكة، على حدّ قوله.
صحيفة راي اليوم الألكترونية