كواليس جنيف: تفاؤل حذر… في مسار مفخّخ
تختتم «اللجنة الدستورية» أيام عملها اليوم في جنيف، قبل أن تنطلق اجتماعات «اللجنة المصغرة»، المكوّنة من 45 عضواً، يوم الإثنين المقبل. وحفلت الأيام الماضية بفخاخ وعثرات تمّ تجاوزها، عبر الوصول إلى «حلول وسط». وليس من المعلوم إلى أي حدّ يمكن فريقَ المبعوث الأممي، غير بيدرسون، التمكّنُ من نزع الفتائل، في مسار شديد التعقيد وحافل بالنقاط الخلافية. ولا يمكن القول إن اجتماعات جنيف، التي تُختتم اليوم، كانت ناجحة بكلّ ما للكلمة من معنى، لكن قد يصحّ اعتبار القدرة على تجاوز كثير من العثرات، واستكمال جدول العمل المقرّر، بذرة قابلة للحياة، نظراً إلى تعقيدات الملف السوري الهائلة. وترى مصادر أممية أن «العمل في بيئة خلافية، والسعي إلى تدوير الزوايا، شيء طبيعي. لو كان المجتمعون متفقين على كلّ شيء، لما كنا هنا الآن، ولما كان لهذه الاجتماعات من داعٍ». ومن المنتظر أن تُستكمل اليوم اجتماعات اللجنة، بالاستماع إلى مداخلات الثلث الأخير من أعضائها، بعد أن قدّم ثلثا الأعضاء تكثيفاً لرؤاهم حول الدستور وعمل اللجنة، متضمّناً تعريفاً موجزاً عن أنفسهم، بواقع خمس دقائق لكلّ متحدث. وإذا ما قُيّض لخطط العمل أن تستمرّ كما هو متفّق عليه، فمن المفترض أن تنطلق يوم الإثنين المقبل أعمال «الهيئة المصغرة» أو «لجنة الصياغة» المكوّنة من 45 عضواً، فيما يغادر بقية أعضاء اللجنة (105). وعلى منوال اللجنة الموسّعة، تنقسم «الهيئة المصغرة» إلى ثلاثة مكوّنات، تمثّل كلّاً من دمشق والمعارضة والمجتمع المدني (15 عضواً لكلّ فريق). ومرّت الجلسة الافتتاحية بسلام، وتركت جوّاً من التفاؤل الحذر، في ظلّ «خلوّ كلمتَي الرئيسين المشتركين (أحمد الكزبري وهادي البحرة) من الاستفزازات»، وفقاً لمصادر «الأخبار». ويؤكد مصدر من أوساط المجتمع المدني أن «كلمة البحرة تركت انطباعاً إيجابياً في العموم، كما خلّفت كلمة الكزبري أثراً مقبولاً وغير مستفز».
وشكّل ممثلو المجتمع المدني في «الهيئة المصغرة» واحدة من أبرز نقاط الاختلاف التي سجّلتها الاجتماعات في خلال الأيام الماضية. وفي هذا الإطار، أوضحت مصادر مواكبة لعمل اللجنة لـ«الأخبار» أن «اختيار ممثلي دمشق والمعارضة في اللجنة المصغرة كان محسوماً، نظراً إلى وجود قرار سياسي واضح يقف وراء كلّ منهما». واستغرق اجتماع المبعوث الأممي مع وفد دمشق قرابة نصف ساعة، واجتماعه مع وفد المعارضة قرابة 45 دقيقة، فيما امتدّ الاجتماع مع قائمة المجتمع المدني قرابة ساعتين ونصف ساعة. وظلّ التوافق على ممثلي «المجتمع المدني» مثار أخذ وردّ طويلين، بفعل «محاولة وفدَي دمشق والمعارضة الدفع إلى تحديد أسماء ممثلي المجتمع المدني وفق مبدأ المحاصصة، فيما يصرّ فريق (المبعوث الأممي غير) بيدرسون على السعي إلى اختيار القائمة من الوسطيّين، القادرين على تجسير الهوّة بين الطرفين»، وفقاً للمصادر ذاتها. وبدت قائمة «المجتمع المدني» مثاراً غنياً للخلافات بين دمشق ووفد المعارضة منذ اللحظة الأولى. وتحيل مصادر سورية معارِضة الأمر إلى محاولات لتسويق فكرة مفادها أن «29 عضواً من المجتمع المدني محسوبون على النظام». ويدور الحديث هنا عن الأعضاء المقيمين داخل سوريا من قائمة «المجتمع المدني». وكانت طائرتان روسيتان قد وصلتا إلى جنيف قبيل انطلاق الأعمال الرسمية للجنة، تُقلّ الأولى وفد دمشق الرسمي، فيما تحمل الثانية 29 عضواً من القائمة المدنية، علاوة على 8 أعضاء من وفد المعارضة يقيمون داخل سوريا. ويقيم أعضاء الوفد الرسمي في فندق «موفمبيك»، وأعضاء وفد المعارضة في فندق «ستارلينغ»، فيما يقيم جميع أعضاء القائمة المدنية في فندق «كراون بلازا».
وترفض مصادر حكومية سورية «الأقاويل حول محاولات دمشق التأثير في القائمة المدنية، أو في عمل اللجنة بشكل عام». ويؤكد أحد المصادر لـ«الأخبار» أن الموقف الرسمي «واضح ومحسوم، وقد أعلنه الرئيس (بشار) الأسد قبل يومين». وكان الرئيس السوري قد أكد، في مقابلة بثّتها القناتان الأولى و«الإخبارية» يوم الخميس الماضي، أن دمشق ستوافق «على أيّ شيء ينتج عن لقاءات اللجنة الدستورية، شريطة أن يتوافق مع المصلحة الوطنية، حتى لو كان دستوراً جديداً». ومن بين النقاط غير المحسومة حتى الآن، إذا ما كانت «اللجنة الدستورية» ستعمل على صياغة دستور جديد بالكامل، أم ستُنتج «تعديلات دستورية»، فضلاً عن القواعد الإجرائية والسلوكية الناظمة لعملها، والتي من المفترض حسمها قبل انطلاق عمل «الهيئة المصغّرة». وكان انطلاق اجتماعات اللجنة الموسّعة قد استُبق بخلاف على آلية إدارة الجلسات. وفيما اقترح فريق المبعوث الأممي «إدارة مشتركة» يتقاسمها الرئيسان المشتركان للجنة، أحمد الكزبري وهادي البحرة، تحفّظ الكزبري على الاقتراح، وأفضى الأمر إلى التوافق على إدارة الجلسات بالتناوب بينهما.
«معركة الكراسي» المدنية!
من بين الخلافات الغريبة التي شهدتها أروقة جنيف، ما يمكن تسميته اصطلاحاً «معركة الكراسي». وتمحورت فصول تلك «المعركة» حول ترتيب جلوس قائمة المجتمع المدني في الجلسة الافتتاحية. وفي خلال اجتماع للمبعوث الأممي مع القائمة المدنية، فُتح نقاش حول توزّع الجلوس، لتصرّ واحدة من أعضاء القائمة القادمين من داخل سوريا على ضرورة «جلوس القادمين من الداخل في الصف الأول، وجلوس الباقين في الصف الثاني». وطُرحت خيارات بديلة مثل الجلوس وفق الترتيب الأبجدي، أو بحسب السنّ، غير أن العضو قابلت تلك المقترحات بالرفض والصراخ. وتقول مصادر مطلعة على «كواليس جنيف»، لـ«الأخبار»، إن «هناك انطباعاً عامّاً عند معظم المواكبين للمجريات، مفاده أن تلك العضو تسعى إلى خلق التوتر وافتعال المشكلات وتخريب التوافقات». وحُسمت «معركة الكراسي» في نهاية المطاف بإقرار الجلوس وفق الترتيب الأبجدي.
صحيفة الأخبار اللبنانية