الكَراهيّة في رواية “الفتى الذي أَحبَّ”

 

تتناول رواية ” الفتى الذّي أَحَبَّ ” للكاتب الهنديّ دورجوي داتا (1987)، الصادرة عن دار الرافدين في بيروت عام 2019 والتي ترجمتها إلى العربية فاطمة نعيمي، العديد من القضايا التّي تُغلّفُ في جوهرها قصّة حبّ بريئة لمراهقٍ بنغاليّ اسمه راغو يظهر كطالبٍ ذكيّ تشغلهُ فكرة الانتحار، والبحث عن الصورة المناسبة لإنهاء حياته.

تبدو الحياة طبيعيةً في بداية الرواية، عبر فضائها الذي يتكشف عن بيئةٍ عائلية مدغومةٍ بقيم أرثوذكسية هندوسية، ما خلا الحزن الكبير الصامتَ، والذي يعتملُ قلب راغو البائس، بعد أن احتلّ حياته إثرَ وفاة أفضل صديقٍ له، سامي، أمام ناظريه في حمام السباحة المدرسيّ، من دون أن يستطيع مدَّ يد العون له.

يعيشُ راغو وكأنّه مخفيّ عن العالم الخارجيّ، متنقّلاً من مدرسةٍ إلى أخرى، باحثاً عن عقابٍ عادلٍ يُكفّرُ عن عقدةِ الذنب التي يعانيها. فيبتعدُ عن تكوين الصداقات، ويصبحُ شبهَ منطوٍ على ذاتهِ، لتنقلبَ الأمور بعد أن يلتقي في مدرسته الجديدة براهمي، الفتاة التي تشبهه، ولكن بأسلوبٍ مختلفٍ، بذات الميول الانتحارية، والنظرة العدمية للحياة، فيسقط الشابّان في قصة حبّ بريئةٍ، تبدو للقارئ وكأنها المنعطف الرئيس في الرواية.

أحداث الرواية:

إضافةً إلى قصة الحبّ، تنطوي الرواية الاجتماعية الرومانسية، والتي قد تقترب إلى حدّ بعيد من صنف النصوص السوداوية، على العديد من القضايا التي ابتُليَ بها البشر عامةً والمراهقون خاصةً، فتجري أحداثها على شكل مذكّراتٍ أو رسائل يصوغها راغو في تسعينيات القرن الفائت، لتحومَ أغلبها حولَ الاختلافات الثقافية والتناحرات العقائدية التي شكّلَتْ نواةَ الحروب، وأودت بحيوات الشعوب، لترسّخ عبر فضاء الرواية عداءً ضاربَ الجذور في عمق الذاكرة المجتمعيّة، لا سيّما بين المسلمين والهندوس.

تتقاطع أحداث الرواية وتفاصيلها ليقع أنيربان، الأخ الأكبر لراغو، في حبّ فتاةٍ مسلمةٍ، ويتزوجها معانداً طقوس عائلته ورفضهم تواجد مسلمٍ واحدٍ بينهم، الأمر الذي يجلبُ الكراهية إلى الجو العام لأسرة راغو، تلك الكراهية الصافية التي تُزجى لمن لا نستطيع إلا أن نحبّهم، في حين تجعلنا سلوكاتهم غارقين بالضغائن والكره والرفض. ليبدأ راغو، ذلك الطالب المراهق، بسردِ مذكَراته وتوضيح صورة تلك الكراهية التي تُفرض على الأبناء والطبقات في المجتمع، حتى تنمو في قلب كل طفل على شكل ضغائن، لتكبر وتكبر حتى يصبح مجبراً مثل والديه، امتداداً حقيقياً لهما.

يركّز الكاتب داتّا على توضيح الكيفية التي تُوأد فيها قصص الحبّ خارج الدين، والعرف، والعادات الاجتماعية، في حين ينمو بشكلٍ خفيّ ومحبب حبّه لبراهمي، زميلته في المقعد الدراسي، والمراهقة التي فقدت والديها وتعاني من كونها ضحية اعتداء جسدي من قبل عمها وزوجته، الأمر الذي يزيد من تشابك القصص والأحداث حتى يصل المراهقان لفكرة أن الانتحار هو السبيل الوحيد للنجاة.

وما بينَ عقدة راغو الوجودية المشتركة مع براهمي، تتوضح صورة المجتمع الأبويّ الديني المتزمت بشكلٍ جليّ، فوالد راغو، بنغاليّ متزمّت للأرثوذكسية الهندوسية، ليس لقناعته فقط  بعمق إيمانه بآلهته التي لا تعدّ ولا تحصى كما يبيّنها الكاتب، بل لسببٍ آخر يبدو محوراً جديداً مستقلاً خلال تشابك الحكاية، ذلك السبب الخفي الدفين الذي يُنبئ للقارئ عن محنة يعيشها الأب من جانبه جراء المذبحة التي مُنيت بها أسرته في الحرب الحاصلة بين الهند وباكستان (المسلمين – الهندوس) الأمر الذي يؤجج وبشكلٍ مستمر، دافع الانتقام من كلّ مسلم يصادفه، وحاضراً كلما استدعت مناسبة أو حديث، لإخراج سخطه وحقده على كل مسلمٍ قد يلقاه، فكيف إذا صار هذا المسلم زوجة ابنه التي تحمل بين أحشائها حفيده الأول؟

في مقابل سخط والد راغو وقناعته الصلدة بصفاء إيمانه بآلهته، تظهر زوجته، والدة راغو، التي تعاني هي الأخرى من عقدة فقد طفلتها (مينا) فتنمو الأمومة في داخلها على شكل حرص خانق يُشعر الشابَّين بالقيد المطلق، دوناً عن تقييدها لهما، وعلى الرغم من سويتها العلمية الرفيعة، بخرافات وأساطير هندوسية رسخها الأجداد، أهمها أن طائر الموت لا بدّ أن يزورهم، والخراب والشؤم قادمان على العائلة في اللحظة التي تُهمل فيها طقوس الديانة المقدسة، أو يشوب صفوها دخول مسلم أو مسلمة فتتعكّر حياة الأفراد جميعهم، ويصبح الموت لصيقاً من أرواحهم.

نهاية الرواية:

يبدو الضغط الذي يعانيه المراهقون والشباب مغلفاً بالحقد والحنق على التعصب الأرعن الذي تصقله وتبرد فكره نيران العادات ومقاصل العرف، ليبدو الفرد أمامها بكل ما فيه من جسد ومشاعر مضمحلّاً، خفياً، صغيراً، لا حلّ ليصل صوته المخنوق لمن حوله إلا كما يتوصل راغو بالانتحار!

هي قصةُ عاطفية لراغو جانجولي ومعركته مع صعوبات الحياة، مصوّراً معاناته وحالاته الذهنية الكئيبة وميوله الانتحارية، ولا سيما بعد موت أخيه إثر نشوب حريقٍ في منزله قبل أن تُجبر زوجته المسلمة على اعتناق الهندوسية لتحصل على طفلها، وضمن ظروف عصيبة تنتهي الحكاية، كما لو أنها تصوغ سيمفونية محبوكة باتفاق العاشقين المراهقين. تنتهي بموت براهمي ليبقى راغو صريع انفعالاته وتخبط شخصيته المحزونة بموتها.

عن الراوي:

دورجوي داتا: ولد في دلهي – الهند عام 1987. يعدّ ثالث كتّاب الهند من حيث المبيعات، ألّف ستة أعمالٍ عدت الأكثر مبيعاً في الهند. باع أكثر من مليون نسخة من أعماله خلال الأعوام الثلاث الفائتة. تتميز شخوص رواياته بالسوداوية. اختارته صحيفة “نيويورك تايمز” أفضل رائد للكتابة في الهند عام 2009. من أهم رواياته “حتى رحيل الروح” والتي لاقت نجاحاً كبيراً من فور صدورها عام 2012.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى