هل ستُؤدّي زيارة أردوغان إلى الدوحة لتعزيز المُصالحة الخليجيّة أم نَسفِها؟
قَليلةٌ هي العواصم العربيّة، وربما الغربيّة، التي تفتح أبوابَها للرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان هذه الأيّام، ولذلك فإنّ زيارته للعاصمة القطريّة الدوحة التي بَدأت اليوم الاثنين تأتي لافِتةً للأنظار من حيثُ توقيتها، وما يُمكن أن يترتّب عليها من رُدودِ فِعلٍ خليجيّة وعربيّة.
الرئيس أردوغان الذي عاد للتّو من زيارة لواشنطن التَقى خلالها الرئيس دونالد ترامب، ولم تُحقِّق أهدافها في تذويب الخِلافات الأساسيّة بين الرّئيسين، ولم يحُط الرّحال في أيّ عاصمة خليجيّة مُنذ سنوات، بينما أدّى هُجوم قوّاته العسكريّة على شِمال سورية قبل شهر ونِصف الشّهر إلى توتير عُلاقاته مع مُعظم الدول العربيّة إلى جانب إيران التي رأت فيه تَدخُّلًا مُدانًا في شُؤون دولة عربيّة، وخُطوة على طَريقِ اقتِطاع جُزءٍ من أراضيها تحت ذريعة إقامة مِنطقة آمنة بتوطين لاجئين سوريين يتواجَدون حاليًّا في تركيا.
مِثل هذه الزّيارات تحتل التّفاصيل مكانةً بارزةً بالنّسبة إلى المُراقبين والمُحلّليين، فقد لُوحِظ أنّ الأمير تميم لم يكُن على رأسِ مُستَقبلي الرئيس أردوغان عند وصوله إلى أرض مطار الدوحة مثلَما جرت العادة، وأوفد السيّد خالد العطية، نائب رئيس الوزراء وزير الدّفاع، للقِيام بهذه المَهمّة، الأمر الذي أثار العديد من علامات الاستفهام، ودفع البعض إلى الحديث عن نَوعٍ من “الفُتور” في العُلاقات، والبعض الآخر إلى الحديث عن رغبة قطر في توجيه رسالة إلى الدول الخليجيّة بأنّها ترغب في العودة إلى البيت الخليجي، ولا تُريد فرض أيّ عقَبات في طَريق جُهود المُصالحة التي تَبذُلها كُل من الكويت وسلطنة عُمان هذه الأيّام.
كان لافتًا أنّ زيارة الرئيس أردوغان تتزامن مع وصول المُنتخب الكرويّ السعوديّ إلى الدوحة على مَتن طائرة سعوديّة كسَرت حِصارًا مُستمرًّا مُنذ عامين تقريبًا، والشّيء نفسه يُقال عن تِكرار هذه السّابقة من دولتيّ الإمارات (أرسلت المُنتخب بطائرةٍ خاصّة) والبحرين شريكتا السعوديّة في مُقاطَعة قطر، وهذه الدول الثّلاث لا تكُنّ أيّ وِدٍّ للرئيس التركيّ الذي تستضيف بِلاده العديد من مُعارضيها السّياسيين البارزين، وتفتح أثيرها لمحطّات فضائيّة تُوَفِّر المِنصّة لهؤلاء.
ربّما من السّابق لأوانِه الإغراق بالتّفاؤل بإمكانيّة نجاح جُهود المُصالحة الخليجيّة، على أرضيّة وصول مُنتخبات من دول المُقاطَعة إلى الدوحة، خاصّةً بعد التّصعيد المُفاجِئ في الهجَمات الإعلاميّة المُتبادلة بين الدوحة وأبو ظبي في الأيّام القليلةِ الماضية وخُروجها عن كُل الأعراف والقِيَم الأخلاقيّة.
هُناك تسريبات خليجيّة راجت في الأيّام الأخيرة تقول إنّ التطوّر الأبرز على صعيد هذه الجُهود، يتمثّل في حُدوث حالة انفراج في العُلاقات القطريّة السعوديّة، وانسِداد في المُقابل في العُلاقات الإماراتيّة القَطريّة، لرفض الجانبين أيّ تقارب بسبب هجَمات إعلاميّة قديمة وحديثة خاضَت في الأعراض، ولذلك بات الوسطاء يقِفون أمام خِيارين، إمّا إنهاء هذه الجُهود كُلِّيًّا، أو العودة إلى مرحلة ما قبل انفجار الأزَمة، أيّ علاقات سعوديّة قطريّة طبيعيّة، في التّوازي مع علاقات قطريّة إماراتيّة مُتوتّرة.
أمّا إذا عُدنا للعُلاقات التركيّة القطريّة فيُمكِن القول بأنّها تعرّضت لبعض المطبّات في الفترةِ الأخيرة، أبرزها الاستِياء التركيّ من تغطية قناة “الجزيرة” والنّاطقة بالإنكليزيّة تحديدًا، للاجتِياح التركيّ لشِمال سورية، فالرئيس أردوغان كان يتَوقّع دَعمًا قَطريًّا غيرُ محدودٍ لهذا الاجتِياح يعكِس وقوف دولة قطر بقُوّةٍ في الخندق التركيّ، وهو ما لم يَحدُث.
قطر وتركيا لا تستطيعان، بل لا تملكان، ترَف الاختِلاف حتّى في التّفاصيل الثانويّة، فقطر هي التي هرَعت لإنقاذ الاقتصاد التركيّ عندما تعرّض لهُجومٍ تَدميريٍّ أمريكيٍّ أدّى إلى انخِفاض سِعر اللّيرة التركيّة إلى أكثر من سبع ليرات مُقابل الدّولار العام الماضي، حيثُ ضَخ المصرف المركزيّ القطري 15 مِليار دولار فَورًا في الأسواق الماليّة التركيّة نجَحت في رَدِّ الاعتِبار للعُملة التركيّة ومنع انهِيارها، مُضافًا إلى ذلك أن حجم الاستِثمارات القطريّة في تركيا يَزيد عن 20 مِليار دولار.
في المُقابل لا يُمكن أن تنسى قطر موقف تركيا الدّاعم لها بقُوّةٍ أثناء بِدء الحِصار الرُّباعي عليها، حيثُ أقامت جُسورًا جويّةً وبحَريّةً لإيصال كُل احتِياجاتها من البضائع والمواد الغذائيّة، مُضافًا إلى ذلك تعزيز قاعِدة طارق بن زياد العسكريّة التركيّة في قطر بآلاف الجُنود والمَعدّات للتّصدّي لأيّ هُجوم للدّول الأربع لتغيير النّظام فيها، وتتحدّث بعض المصادر عن وجود 30 ألف جُندي تركيّ في هذه القاعِدة في الوقتِ الرّاهن.
الرئيس أردوغان كان وراء إضافة قطر إلى نُواة التجمّع الإسلاميّ الجديد الذي يُريد بناءه بمُشاركة ماليزيا والباكستان وأندونيسيا كبَديلٍ لمُنظّمة التّعاون الإسلامي ومقرّها جدّة، غرب السعوديّة، ويسعى إلى بيع قطر 100 دبّابة، وإقناع أميرها بضَخ مِليارات أُخرى في الاقتصاد التركي تَحسُّبًا لأيّ عُقوبات أمريكيّة وشيكة رَدًّا على إصرار تركيا على المُضِي قُدمًا في شِراء صفقة صواريخ “إس 400” الروسيّة، وهو الإصرار الذي تمثّل في تفعيل منظومة هذه الصّواريخ الأمر الذي سيُشَكِّل استِفزازًا للكونغرس والبيت الأبيض معًا.
زيارة الرئيس أردوغان إلى الدوحة ستكون “الباروميتر” الحقيقيّ لقِياس سُخونَة العُلاقات الخليجيّة الخليجيّة أو بُرودتها، وما علينا إلا الانتظار.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية