الربط بين الإقليمي والعالمي في ممارسة الديمقراطية! ((مساجلة مع الدكتور ماهر المملوك ))

 

ينتهي الدكتور ماهر المملوك، في مقاله المنشور تحت سؤال : هل نجحت الأنظمة الديمقراطية في الدول المتقدمة بنقل ثقافتها إلى دول أخرى؟ في موقع بوابة الشرق الأوسط الجديدة، ينتهي إلى تحذير يثير حوارا واسعا، ينبغي الوقوف عنده، ويقول: “ان التساهل في محاولة تهدئة الشعوب خطير و يؤدي إلى المزيد من الخلل في النظام العالمي الجديد، كما أن نموذج قمع الاحتجاجات لم يعد يجدي نفعاً.” ويعرب عن أسفه بالحديث عن مخرج بعبارة يختم بها مقاله، ” للأسف من السابق لأوانه الحديث عن مخرج فالعالم لتوه دخل في هذه الأزمة و الوضع قد يزداد سوءاً !”

يثير هذا الموضوع فكرتين أساسيتين : الأولى: تتعلق بالتساهل في تهدئة الشعوب، ويعود هذا التحذير إلى “المزيد من الخلل في النظام العالمي الجديد”، فهل على الشعوب الباحثة عن الديمقراطية أن تفكر بإنقاذ النظام العالمي الجديد وإنقاذه ، ثم ماهو دور النظام العالمي الجديد في مفاقمة الأزمات؟!

أما الفكرة الثانية، فتتعلق في قمع الشعوب، وفي جوهر هذه الفكرة يتجه المعنى مباشرة إلى البحث عن مظاهر القمع ، وهي هنا قمع اقتصادي يمارسه أقطاب النظام العالمي الجديد ، وقمع سياسي تمارسه القوى الطبقية والاجتماعية والدينية المسيطرة ، أي أن هناك تشاركية في القمع بين الطرفين ، فعندما يجري الحصار وتفرض العقوبات تدفع الشعوب الثمن الأكبر، وتتحجج القوى المهيمنة في المجتمعات المعنية بخلق شروط مواجهة تستند إلى مبدأ في الدفاع عن الوطن ، وهنا يفتح الحديث على مجموعة المحطات الكبرى في المرحلة الاستعمارية التي تتلطى دائما بخدمة الشعوب سواء في مفهوم “الاستعمار” نفسه ومصدر المصطلح، القائم ظاهريا على مساعدة الشعوب من خلال “استعمارها” .

ماهو النظام العالمي الجديد؟!

إذا كانت الحرب العالمية الأولى ، المعروفة (بحرب الأربتعش)، قد أسفرت بعد أربع سنوات على نشوئها عن إطلاق مبدأ ويلسون، ونقاطه الأربعة عشر، التي تدعو لمساعدة الشعوب، فإن المبدأ نفسه أسفر تلقائيا عن ظهور ” الانتداب” الذي عرفناه جيداً، وقاتلت شعوب المنطقة ضده إلى أن حصلت على استقلالها، والاستقلال هنا يستند إلى حدود سايكس بيكو المعدلة .

وفي إشارة ربط بين القديم والجديد،  يرى الباحثان غراهام إيفانز وجيفري نوينهامأن هذا المبدأ كان موجها “بشكل محدد ضد التطورات في دول العالم الثالث مستعملا بشكل مميز تسويقا أخلاقيا سامياً يقوم على حق الشعوب في تقرير مصيرها، إلا أنه في الحقيقة يخفي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية” بل يفسر هذا الكاتب جانبا آخر من مبدأ ويلسون يبرر دور الولايات المتحدة “في خلق ثورة كبيرة في النظام الدولي، ولتكون حامية للدول الأقل إمكانية  أمام نظام القوة الطائش، وأن مثل هذا الدور سيعطي للأفكار الأمريكية تأثيرا كونياٍ.”

إن العودة إلى هذا الربط، تجعلنا في مواجهة السؤال الذي يطرحه الدكتور ماهر المملوك، فلا يمكن للأنظمة الديمقراطية في الدول المتقدمة نقل ثقافتها إلى دول أخرى، لأنها فقدت المصداقية التاريخية في تقديم نماذج لنظم تصلح لدول العالم الثالث.

لكن، أيضاً، وهنا يمكن أن نتفق مع الدكتور المملوك، إذا كان يشير بشكل غير مباشر إلى فشل النظام الاشتراكي الشمولي الذي نشأ بعد ثورة اكتوبر عام 1914 في تسويق بديل للديمقراطية عبر مفهوم حركات التحرر والأنظمة الوطنية.

إذن يبدو أن دول العالم (غير المتقدمة)، والتي كانت موضوعا للمرحلة الاستعمارية، والمرحلة الديمقراطية (اليوم) معنية بالبحث عن طريق حقيقي للخلاص، وهذا الطريق هي من يمكن أن يحدد مساره وأطره وتوجهاته وثوابته، فهل علينا أن نتركها ، ونترك معها الفوضى والحرب الأهلية والخراب والفقر والدم والصراعات الإثنية والطائفية ؟

يقول الدكتور ماهر المملوك : “مما لا شك فيه ان مبدأ تصدير ثقافة الديمقراطية في العقدين الأخيرين، و مبدأ تطبيق ممارسته على ارض الواقع في الدول التي حصلت فيها الحروب الأهلية، برعاية دولية من القوى العظمى، تحت ذريعة الخلاص من الدكتاتوريات المسيطرة على مقاليد الحكم فيها لعقود طويلة و خاصة في منطقة الشرق الأوسط، لم يؤت ثماره بالشكل المطلوب على المدى المنظور” .

هذا يعني أن سد الذريعة الأولى ، أمام أي وصاية خارجية على أي نوع من أنواع الحراك الشعبي التي تشهده الدول ، ويمكن الاتفاق هنا مع إشارة بريجنسكي التي جاءت عشية القرن الجديد حول  “الصحوة العالمية” والحركات الشعبية ، لكن بمساعدتها من خلال النأي عن التدخل بشؤونها لتصل إلى نموذج ديمقراطي بعرق جبينها لأن ما حصل في (الربيع العربي) لم يكن ليصل إلى ما وصل إليها لولا التدخل الخارجي.

وعلى هذه الأرضية يمكن أن نفهم الفقرة التي اقتطعها الدكتور المملوك من

التقرير السنوي لمعهد “رأي” للدراسات الاجتماعية و السياسية،عن ” حالة الديمقراطية العالمية” ، فالديمقراطية كشكل حكم وممارسة سياسية لم تسوق، ليس لأنها عاجزة عن تقديم حلول بل لأن تسويقها كان ذريعة لأهداف أخرى تتكئ عليها الدول النافذة والقوية في النظام الدولي الجديد .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى