الموجة الثانية: الهجرة الاستيطانية اليهودية (1904-1914)
خلال الفترة ما بين 1904 – 1914، هاجر آلاف اليهود من روسيا غربا، وقدر من وصل منهم إلى فلسطين ما بين 35-45 ألف نسمة. يستعرض الباحث الفلسطيني عمر الراشد “الموجة الثانية من الهجرة اليهودية إلى فلسطين” في هذه الحلقة من بحثه الذي أعده للميادين نت عن الاستيطان.
خلال الفترة ما بين 1904 – 1914، هاجر آلاف اليهود من روسيا غربا، كما حدث في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي. فالأغلبية الساحقة من المهاجرين اليهود، وصلت إلى الولايات المتحدة الأميركية، بينما قدر من وصل إلى فلسطين ما بين 35-45 ألفا، وترك قسم من المهاجرين اليهود فلسطين بعد قدومهم إليها بمدة قصيرة، أو خلال سنوات الحرب العالمية الأولى. وعلى الرغم من أن الباقي من أفراد هذه الهجرة لم يتعد بضعة آلاف، فإنه وضع الأساس الإيديولوجي للمجتمع الصهيوني-اليهودي في فلسطين، واستمر النشاط الاستيطاني اليهودي مع قدوم الهجرة الثانية بوتيرة أكبر.
(مناع، عادل- تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني (1700- 1918م). مؤسسة الدراسات الفلسطينية- كانون الثاني 2003م.. ص: 251)
وقد أقيمت ما بين 1907 و1914 خمس عشرة مستوطنة جديدة، فبلغ مجموع المستعمرات اليهودية أربعون مستعمرة، يسكنها حوالي 12 ألف مستوطن يهودي، وخلال هذه المرحلة، وضعت الأسس للمستعمرات الجماعية (الكيبوتسات) بعد إقامة مستعمرة “دغانيا” التي أدت دورا مهما في عملية الاستيطان اليهودي. وفي نفس الفترة، أنشئت أول مدينة يهودية في فلسطين هي تل أبيب التي تم بناؤها ما بين 1905 و1918، وأقيم في مدينة حيفا معهد “ألتخنيون الهندسي” سنة 1913 م، والذي اصبح أهم معهد عالي للتعليم التكنولوجي، وبدأ التخطيط والعمل لإقامة جامعة عبرية في القدس عشية الحرب العالمية الأولى، وتم وضع حجر الأساس لها عام 1918 م.
(م.ن. تاريخ فلسطين أواخر العهد العثماني، ص: 251).
وتبنى افراد الهجرة اليهودية الثانية سياسة احتلال العمل، واحتلال الأرض التي أبرزت الأبعاد القومية الانعزالية للمشروع الصهيوني.
(م.ن. تاريخ فلسطين أواخر العهد العثماني ص: 254).
وكانت المناطق الواقعة شمالي شرقي لواء الجليل (طبرية والعفولة) هي النواحي الأساسية للنشاط الاستيطاني الذي قام به أفراد الهجرة الثانية.
تسارعت الموجة اليهودية الثانية بشكل واضح بمساعدة الدول الاستعمارية الاوروبية، مع الدعم الكامل للحركة الصهيونية منتهزين ضعف الدولة العثمانية. وتعاقبت موجات يهودية عدة ولم تستطع الدولة العثمانية من الوقوف في وجه المد الاستيطاني اليهودي.
واندفعت الحركة الصهيونية، تحت ذرائع مختلفة، لشراء الأراضي والعقارات بعد “مؤتمر بال” سنة 1897 م، وساعد أصحاب الأملاك، وتجار الأراضي على تهيئة الأجواء الداعمة للهجرة اليهودية إلى فلسطين.
مؤتمر بال والحركة الصهيونية السياسية عام 1897 م:
في تعريف للفظة “الصهيونية”، وما تعنيه، فهي منسوبة إلى جبل صهيون الذي يقع جنوب مدينة القدس، وتعود في أصولها إلى الكنعانية وتعني المرتفع، وليست إلى العبرية، كما يظن البعض، ثم أصبحت الصهيونية خاصة باليهود وهذا المعنى اللفظي للكلمة.
أما المعنى السياسي، فهي حركة سياسية عنصرية، أحيت فكرة “أرض الميعاد” وغقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين، بحجة الحقوق الترايخية لليهود في فلسطين.
خطر اليهود على الإسلام والمسيحية ص156
العرب واليهود في التاريخ ص 713
الاستيطان الأجنبي. “عالم المعرفة” ص 71. ص 91. حاشية (1)
والصهيونية، كفكرة، تنطوي في جوهرها على مناشدة يهود العالم العودة إلى ما يركزون على تسميته “أرض إسرائيل”، بحدودها التوراتية المزعومة. بينما نجد الصهيونية بمفهومها السياسي، وطابعها القومي اليهودي، كناية عن حركة سياسية عالمية تستند إلى مفاهيم شتى، منها: الدينية، والمزاعم التاريخية، والنيات الاستعمارية، وهي حركة شيطانية- أوروبية الجذور والنيات الاستعمارية، نشأت وترعرعت في أحضان القومية الأوروبية في القرن التاسع عشر الميلادي.
والصهيونية ليست حركة قومية، تضرب جذورها في الأرض، وعمق التاريخ، وإنما هي حركة ليس لها سند في الواقع الجغرافي. لذا فهي تضرب بجذورها في الهواء، ولا يمكن أن تصل إلى الأرض إلا عن طريق العنف، والإجرام، والإرهاب، وإفراغ سكانها عن طريق القتل، والتدمير، والتشريد. والصهيونية كحركة سياسية تدعو إلى تهجير نفايات المجتمع الأوروبي، والبشري إلى فلسطين، لإقامة كيان سياسي يهودي في فلسطين. وطرحت الصهيونية نفسها في تطويع الشعب العربي لإملاءات الاستعمار الأوروبي، والأمريكي، عبر إقامة المشروع الاستيطاني على شكل قاعدة إقليمية مناهضة لشعب المنطقة العربية، وصديقة للدول الاستعمارية الطامعة في المنطقة.
لقد تفاقمت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مسألة النفايات اليهودية في أوروبا الشرقية والغربية، وكحل لهذه المسألة تقبل بعض المعتوهين من يهود وغير يهود، الفكرة بإيجابية، وتقاطعت المصالح الاستعمارية الأوروبية، خصوصا البريطانية، مع المصالح اليهودية على اختيار فلسطين مكبا لنفايات اليهود.
قد يكون هرتزل هو مؤسس الصهيونية السياسية، فعلا، ولكن هذا لايعني أن أفكاره كانت جديدة، فقد سبقه إليها كثيرون، منهم اليهود، ومنهم غير اليهود الذين طوروا الأفكار، والبرنامج السياسي الذي عرف فيما بعد ب”الصهيونية السياسية اليهودية”، ومن خلال القراءة المعمقة لحركة الإصلاح الديني البروتستانتي في أوروبا، نجد أنها أتاحت الفرصة للنهضة “اليهودية القومية”، ودعوتهم الجماعية لتوطينهم في فلسطين.
مؤتمر بال
اعتبر مؤرخو الحركة الصهيونية أن عام 1882 م، هو نقطة التحول في تاريخ الصهيونية، حيث بدأ منها التاريخ الفعلي للحركة الصهيونية على صعيد عقائدي منظم.
(التل، عبد الله. خطر اليهودية على الإسلام والمسيحية. دار القلم (ط2)، القاهرة سنة . ص: 52-56)
مؤتمر بال في سويسرا عام 1897 م:
بعد أن نشر تيودور هرتزل كتابه “الدولة اليهودية” في شباط (فبراير) 1896 م، أخذ يسعى لتطبيق ما جاء في كتابه عمليا، إلى أن نجح في عقد المؤتمر “الصهيوني الأول” في سويسرا من 27 آب (أغسطس) حتى 31 آب (أغسطس) 1897 م، وضم المؤتمر أكثر من 300 مندوب يمثلون خمسين جمعية يهودية من فلسطين، وأميركا، وروسيا للبحث في الوسائل التي يجب أن تتخذ للنهوض بالصهيونية.
وتزعم المؤتمر تيودور هرتزل الذي ولد في بودابست في المجر تاريخ 3 أيار (مايو) 1860 م، وتوفي في 3 تموز (يوليو) 1904 م، وزاول مهنة الصحافة. ويعتبر مؤسس الحركة الصهيونية السياسية الحديثة. وتمخض عن المؤتمر قرارات خطيرة، واتخذت الخطوات الأولى في بناء المنظمة الصهيونية العالمية، ويمكن تلخيص النتائج التي عرفت ب”برنامج بال”، في النقاط التالية: تشجيع الاستيطان اليهودي في فلسطين، تنظيم اليهود في مؤسسات وجمعيات، بعث الوعي القومي اليهودي، الاتصال بالدول الكبرى صاحبة القرار للحصول على موافقتها من أجل تحقيق هدف الصهيونية في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، يضمنه القانون العام.
السمرة، محمود. حسين عبد القادر، خيرية قاسمية. فلسطين الأرض والشعب- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، سلسلة كتب “التعريف بالقضية الفلسطينية” (1)، تونس، 9 تشرين الثاني 1983 م. ص: 85-86).
الميادين نت