للرشوة اسم واحد
عادة ما يتفق الراشي والمرتشي ضمنيا على عدم تسمية الرشوة ب “الرشوة” فيجنح الاثنان إلى نوع من التلطيف تختلف مسمياته من ثقافة إلى أخرى، فهي لدى الفرنسيين “بو دي فان” أي قدح نبيذ، في حين أن المبلغ الممنوح قد يصل إلى ما يعادل صندوقا كاملا من النبيذ المعتق أو حتى كروما من العنب، على شاكلة تلك التي قدمها الزعيم الليبي معمر القدافي إلى الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي لتمويل حملته الانتخابية.
أما في مصر فيسمونها “بقشيش ” وهي كلمة فارسية انتقلت إلى اللغة التركية ثم سادت فترة الحكم العثماني، وتعني الضرائب التي يتم دفعها مقابل العناية بالسوق، لكن الحقيقة هي أنها تنتقل من الجيب إلى الجيب. ودخلت الرشوة نمط الحياة اليومية حتى خرجت إلى العلنية بل باتت سلوكا استعراضيا يدل على الجاهة وكرم العطاء من جهة الراشي، والحق المكتسب من جهة المرتشي الذي يفخر بتبوئه لمنصب يسمح له بالقبض والاستكراش السريع.
لو دققنا النظر في الكنوز التاريخية التي تتلألأ بها المتاحف لاشتممنا فيها رائحة الرشوة والفساد، منذ قدماء الفراعنة واليونان والرومان. وعلمنا أن غالبيتها متأتية من الرشاوى المقدمة لهم طوعا أو قسرا، سرا أوعلنا، وذلك على شكل قرابين وهدايا، مقابل منحهم المناصب وصكوك الغفران، أو اتقاء لشرهم وغضبهم.
الإنسان كان ـ ولا يزال ـ عبر تاريخه، “حيوانا راشيا ومرتشيا”. يستمر هذا السلوك القديم قدم المصالح البشرية، في الاستفحال مع توسع الاقتصاد العالمي، إذ يقدّر البنك الدولي أن الرشوة تتجاوز 1.5 تريليون دولار سنوياً أي أكثر بعشر مرات من إجمالي أموال المساعدات العالمية. المؤكد أن هذه الأرقام أقل بكثير من تلك التي تقدمها التقارير الدولية، ذلك أن الرشوة تتم سرا، تحت الطاولات وفي المكاتب المغلقة، أما لدى العامة وصغار الموظفين، فمن اليد إلى الجيب، وفي أغلب الأحيان، تُدس الورقة النقدية من الكف إلى الكف أثناء تلك المصافحة التي لا بد منها لتسيير المصالح والحاجيات.
الاستطلاعات تفيد بأن في كل طاولة يجلس إليها أربعة أشخاص هناك راش ومرتش.. أما الاثنان الآخران فربما مترددان أو متتلمذان أو يفتقدان إلى منصب يمكنهما من الانغماس في الفساد.
ولأن ” كثر الهمّ يضحّك” كما يقول التونسيون، فإن تسمية الرشوة في قاموسهم، تختلف باختلاف المراتب والوضعيات وأحجام المبالغ المقدمة، فمن ” القهوة” (كي لا يقال خمرة) إلى ” تشحيم العجلات”( كي تحسن الدوران)، وصولا إلى ” افرح بي ونفرح بيك” .. عجيب، كي تطلب من شخص أن يفرح بك أو تعده بأن تفرح به؟ إنه” الاستثناء التونسي” الذي يفخر به المزايدون من السياسيين الفاسدين.