هل هناك خلاص للبشرية ؟!
لو أردنا أن نختار أخيرا النظام الذي يحقق للبشرية ما تحلم به من عدالة ، و قدرة على التطور التقدمي فماذا نختار؟ لقد جرب البشر كثيرا و عانوا طويلا ، و أخيرا مع العصور الحديثة بدا أن البشر يترددون بين نظامين :
الإشتراكي أو ما يسمي إشتراكيا أحدهما تزعمه ألمانيا من خلال نظامها النازي الذي كان يدّعي أنه إشتراكي وطني و الثاني تزعمته روسيا من خلال تسميتها الإتحاد السوفياتي الإشتراكي الشيوعي .
كان ثمة نوع من التشابه بين هاتين الظاهرتين الخطرتين تجلى من خلال إستخدام العنف بأوسع و أقسى و أوحش الأساليب تحت راية أساسية شعارها السيطرة على العالم أجمع و شن الحروب الكبرى لفرض نظامه على المجتمع بأكمله ، إلا أن النظامين لم ينجحا سوى لفترة محددة نسبيا انهار النظامان بعدها و لم يعد لهما أي تأثير و كأنهما لم يوجدا أصلا .
هنا لا بد أن نتساءل لماذا جرت هذه الأحداث و فيم خاب أصحابها ؟
فلاحظ أولا أن النظامين تميزا منذ بداياتها بعنف كان يتفاقم مع نجاح النظام في سيطرته على الحكم و كان النظامان يرفعان بالتالي شعارا واحدا تقريبا يشير إلى عظمة أهدافه و حاجة البشرية جمعاء له .
في جوابنا إذن على كل ما حدث نجد أن الإجابة بأكملها تكمن في الأساليب التي إستخدمها الطرفان و تعني المبالغة في إستخدام العنف ، و المبالغة في تعظيم الأهداف ..
لقد كان العنف المبالغ فيه يغرق أهدافه المعلنة بطبيعته كأسلوب وحشي مرفوض ويغرق الأهداف العظمى التي يتغنى بها في دعاياته بشكل بشع لايصدق أحد أنه الأسلوب القادر حقا على إنقاذ البشرية ، و بهذا المعنى باتت الطاعة، التي يبديها أتباع النظام، مشكوكا في ولائها للنظام الوحشي و أن هؤلاء الأتباع هم الذين سوف يتخلون عن النظام و يساندون أي حركة جذرية معارضة و هذا ما حدث فعلا إذ سقط النظام بسهولة بعد الحرب العالمية الثانية و بعد وفاة الطاغية ستالين .
هذا بإختصار عرض موجز لتاريخ موجع يحتاج بالطبع إلى مراجعة أوسع وأعمق بالتأكيد و لكن ما علينا سوى أن نبدأ بالتفكير الجدي في المعضلات التي تعترض التقدم البشري الذي تتزعمه الآن الأنظمة الرأسمالية العالمية بشكل يدفع إلى الشك العميق في أن خلاص البشرية ممكن في ظل النظام الرأسمالي الذي انتصر على نظام الإستبداد لدى ألمانيا ثم لدى الإتحاد السوفياتي نفسه الذي شارك في صنع النصر على ألمانيا النازية .
السؤال الآن يطرح من خلال الأنظمة السائدة حاليا في العالم وعلى الأخص النظام السائد في الولايات المتحدة الأميركية هل هو نظام ديمقراطي فعلا كما يرّوج لهذا النظام بإسمه الجذاب : الديمقراطي .. هل هو ديمقراطي حقا ؟ و هل يتحقق خلاص البشرية من خلال الأنظمة الحاكمة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها في أوروبا ، أو من خلال الأنظمة السائدة في قارة آسيا مثلا كالنظام الهندي والصيني والياباني وغيرها كما في قارة أفريقيا أو أستراليا …أو بإختصار هل يوجد حقا نظام حاكم حاليا في العالم يمكن الإطمئنان له في تحقيق حلم البشرية بالعدالة و الوفرة و المساواة و التقدم المستمر في آن واحد ؟…
هذا ما سنحاول الإجابة عليه في مقال قادم …