أين هي الديمقراطية ؟
في متابعتنا لحديث سابق عن خلاص البشرية و فشل النظامين الكبيرين النازي و الشيوعي في تحقيق خلاص البشرية نقول :
لنأخذ الدول الكبرى في أمريكا و أوروبا كنموذج للدول المسماة ديمقراطية فماذا نجد ؟ تدّعي أنظمة الحكم في هذه الدول أنها ديمقراطية فهل هذا صحيح ؟ و ما هي الديمقراطية أولا؟
يجب أن نقول أولا أن الديمقراطية ليست نظاما طبيعيا و إنما هي إنجاز بشري أملته الحاجة لعيش البشر و دولتهم معا في ظل حريات تضمنها القوانين الدستورية للأفراد و المنظمات و السلطة في العيش المشترك و كيف أن السيرة الواقعية لحياة البشر تفيد دوما أن الإنسان لم يحصل بعد على حريته الكاملة منذ عهود أفلاطون و أرسطو و الفارابي و جان جاك روسو الذين حاولوا جهدهم أن يحلوا إشكال الحرية بين الفرد و السلطة و لم يظفروا إلا بحلول محددة حتى الأديان التي ساوت بين البشر و حطمت الوثنية بكل أصنامها لم تستطع أن تجعل من الديمقراطية نظاما نظيفا في كل ميادينه وفاعلياته ، ومن هنا تبدو المسألة كما لو أنها ليست مسألة نظام نظري ممكن أن يقع ، وإنما هي مسألة بشر لا خلاص لهم من نزواتهم وغرائزهم التي تغريهم بالإحتيال على النظام الديمقراطي .
خذوا مثلا من أمثال الحداثة الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن الفروق الطبقية بين المواطنين هناك ما تزال عميقة وواسعة فالثراء الفاحش ما يزال نظاما غالبا وحرية الفرد ما تزال عرضة للإنتهاكات السلطوية حتى في المحاكمات القضائية .
هذا الواقع السيئ ما يزال نشيطا بالرغم من الإساءات التي يرتكبها أصحاب المليارات و الملايين ومن تضامن السلطة الحاكمة معهم و لا ينجو من هذه العيوب إلا الدول الصغيرة في أوروبا مثل السويد وسويسرا في حين تغرق الدول الكبرى في المخالفات المتحيزة لأصحاب النفوذ المالي .
القضية إذن ما تزال إشكالية كأن الصراع بين الخير والشر كما يبدو هو صراع إنساني غير قابل للزوال وأن البشر لا يمكن أن يصبحوا ملائكة في أي عصر من العصور .
الحل الوحيد الممكن والمطروح للإستخدام حتى الآن هو التخفيف من أمراض الفساد التي تجتاح الأفراد والجماعات ، داخل السلطة الرسمية أو خارجها بحيث يبدو أن القضاء على الفساد مستحيل أن يتحقق ،ذلك لأن الفساد ما يزال داءا مستعصيا على الشفاء وأن المعركة الإنسانية الكبرى بين الخير والشر سوف تبقى موجودة وأقصى أمانينا هو في أن ننجح فقط في التخفيف من شرورها وهيمنتها على تصرفات البشر في جميع أنواعها و مستوياتها ..
أين الديمقراطية إذن ؟.. أقصى ما يمكن للبشر أن يفخروا به هو أن يقولوا نحن أقرب الناس إليها ، غير أننا لم نصل إليها بعد !!.