المعلم يعتَرِف باتّصالات تركيّة سوريّة.. ولكنّه يُلمّح إلى إنهائها لعدم فائِدتها.. هل تتنازل تركيا لموسكو سَعيًا لاتّفاقٍ جديدٍ لوقف إطلاق النّار في إدلب؟ وتَجنُّب المُواجهة معَها في ليبيا؟
أرسلت القِيادة التركيّة وَفدًا إلى موسكو لبحث قضيّتين مصيريّتين: الأولى تقدّم الجيش العربي السوري في ريف إدلب واستِيلائه على العديد من القُرى، والتقدّم بنجاحٍ نحو مدينتيّ معرّة النعمان وسراقب، والثّانية، مُحاولة تجنّب الصّدام مع روسيا وقوّاتها، أو تِلك التّابعة لشركات توريد المُقاتلين التّابعة لها في طرابلس الغرب، أولئِك المُقاتلون الذين يُقاتلون في صُفوف خليفة حفتر.
ما زالت نتائج هذه الزّيارة غير واضحة، ولكنّ هُناك تصريحين يُمكن أن يُقدّمان بعض الإيضِاحات في هذا الصّدد:
الأوّل: للسيّد وليد المعلم، وزير الخارجيّة السوري، الذي كان يتواجد في العاصِمة الروسيّة أثناء زيارة الوفد التركي، وقال فيه إنّ اجتماعات جرى عقدها في السّابق بين وفود تركيّة سوريّة لم تُؤدِّ إلى أيّ نتيجة، ولم تعُد مُفيدة، وأنّ الحَل في إدلب سيكون عَسكريًّا.
الثّاني: جاء على لِسان الدكتور إبراهيم كالن قال فيه إنّ الرئاسة الروسيّة تعهّدت ببذل جُهود لوقف هجَمات “النّظام السوري” التي تزايَدت في الفترةِ الأخيرة في ريف إدلب، وأنّ تركيا تتوقّع وقف الهجَمات السوريّة في أطار “اتّفاقٍ جديد” لوقف إطلاق النّار.
من خِلال التأمّل في هذين التّصريحين وما بين سُطورهما، يُمكن الخُروج بخُلاصةٍ مَفادُها أنّ تركيا تجِد نفسها في موقفٍ صعب، إن لم يكُن ضعيفًا، فالحديث عن اتّفاق جديد لوقف إطلاق النّار برعايةٍ روسيّة، يعني أن تفي بالتِزاماتها في اتّفاق سوتشي بالفَصل بين الجماعات المُصنّفة إرهابيًّا مِثل النّصرة وباقِي الفصائل الأخيرة، في إيحاءٍ صريحٍ بإعطاء الضّوء الأخضر بتصفية الجماعات المُصنّفة إرهابيًّا، وتسوية الفصائل غير الإرهابيّة بأوضاعها عبر بوّابة المُصالحة مع الحُكومة السوريّة.
لا نعتقد أنّ السّلطات التركيّة، ورُغم تكاثر التّهديدات، ستُقدِم على إرسال قوّات إلى طرابلس الليبيّة للقِتال إلى جانب حُكومة الوِفاق، لأنّها في هذهِ الحالة ستصطدم بقوّات روسيّة تابعة لشركة “فاغنر” التي تُورّد المُقاتلين، مِثلها مِثل شركة “بلاك ووتر” في الجانِب الأمريكيّ التي قاتَلت في العِراق وتُقاتِل حاليًّا في اليمن، وربّما ليبيا أيضًا. الخِناق يضيق على الحُكومة التركيّة لأنّها تجِد نفسها تُقاتل على أكثر من جبهة في الوقت نفسه، وهذا خطأ استراتيجيّ كبير خاصّةً إذا وضعنا في اعتِبارنا أنّ خُصومها أقوياء سواءً في ليبيا أو سورية، بينما عدد حُلفائها تتناقص.
وقف اطلاق النّار الجديد الذي وعَدت القِيادة الروسيّة بإنجازِه في إدلب مثلَما قال الدكتور كالين، مستشار أردوغان، كبديل، أو مُكمّل لاتّفاق سوتشي لا يُمكن أن يتأتّى إلا من خِلال تفاهماتٍ مُباشرة مع الحُكومة السوريّة، فهل وجود السيّد المعلم في موسكو في تزامنٍ مع وصول الوفد التركيّ جاء من أجل هذا الغرض؟
السيّد المعلم نفى الرّبط بين الزّيارتين، وأكّد أنّ اللّقاءات مع الأتراك باتت غير مُفيدة، ولكن من الواضح أنّ هذا التقدّم السّريع للجيش العربي السوري في ريف إدلب، وتدفُّق مِئتيّ ألف لاجِئ إلى الحُدود التركيّة، والرّقم في تزايُد، ربّما يدفع تركيا لمُراجعة سِياساتها في سورية، وأبرزها عدم تنفيذ التِزاماتها في اتّفاق سوتشي بشأن إدلب التي ستعود حتمًا إلى السّيادة السوريّة طالَ الزّمن أو قَصُر.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية