جملة اعتراضية حوار غاضب في المقر السري (علاء الاسواني)
علاء الاسواني
هذا المقر السري لا يعرفه إلا الرجل الأول وبعض المقربين منه، وهو عبارة عن قبو كبير في عمارة على أطراف منطقة التجمع الخامس. القبو له مدخل منفصل يمنع سكان العمارة من رؤية الداخلين إليه، وله مخارج تمكن المجتمعين من الهرب في أي لحظة.. يستعمل الرجل الأول المقر في اجتماعاته السرية المهمة. استعمله مثلاً عندما تفاوض مع عمر سليمان نائب مبارك من أجل إنهاء الثورة وفض المتظاهرين في التحرير مقابل امتيازات طلبها لجماعته، واستعمله عندما عقد صفقة الخروج الآمن لأعضاء المجلس العسكري.. بالأمس فتح الرجل الأول المقر السري وأضاء النور، ثم عبر ردهة طويلة، والرجل الثاني يمشي خلفه، ولما دخلا الى الحجرة الرئيسية، جلس الرجل الأول الى المكتب وجلس الرجل الثاني على المقعد أمامه ثم دار بينهما الحوار التالي:
رجل 1 ـ أنا جبتك هنا لأجل نتكلم في المصيبة.
رجل 2 ـ فعلا مصيبة.
رجل 1 ـ كيف تطلع نتيجة الاستفتاء في عشر محافظات أن نصف المصريين رافضين الدستور؟
رجل 2 ـ أنا فعلا مستغرب.
رجل 1 ـ مستغرب لأنك فاشل.
رجل 2 ـ أنا أرفض هذا الوصف.
رجل1 ـ أنت فعلا فاشل. هذه الحقيقة. إحنا اخترناك لمنصبك ويبدو أننا أخطأنا في الاختيار.
رجل 2 ـ أنا لم أسعَ الى هذا المنصب وإنما فضيلتك كلفتني به. لا أستطيع أن أكمل الحوار بهذا الشكل. سأستأذن الآن وأرجع لمّا تكون أعصاب فضيلتك هدأت.
رجل 1 ـ أقعد.
رجل 2 ـ أنا مصرّ أستأذن.
رجل 1 ـ وأنا مصرّ إنك تقعد. لا تغضب. أنت تعلم كم أحبك في الله. سامحني على كلامي العنيف لكن الموقف صعب..
رجل 2 ـ أنا أتقبل من فضيلتك أي شيء لكن يعز عليَّ اتهامي بالفشل. يشهد الله أنني لم أقصر.. عملنا الترتيبات كلها وأنا راجعتها بنفسي.. استمارات الاستفتاء عملناها من غير أختام. إخواننا دخلوا كمراقبين في معظم اللجان.. الأخوات لفوا على ستات البيوت وقدموا مساعدات عينية ومالية. صرفنا مبالغ كبيرة على مساعدات الناخبين الفقراء. زيت وسكر وأرز وكروت شحن. جبنا موظفين من عندنا بدل القضاة في لجان كثيرة.. استأجرنا آلاف الأتوبيسات لنقل الناخبين بعد الاتفاق معهم.. خطة العمل الموضوعة نفذناها بكل دقة.
رجل 1ـ أمَّال إيه اللي حصل؟!
رجل 2 ـ اللي حصل مفاجأة. حاجة غريبة ما لهاش تفسير.. ملايين الناس نزلت وهي مصرة ترفض الدستور..
رجل 1 ـ الأقباط طبعاً.
رجل 2 ـ مش أقباط فقط. ملايين الناس العاديين للأسف. كانوا مشحونين ضدنا بطريقة عمري ما شفتها. ناس بتكرهنا فعلا. حاولنا نزهقهم. تركناهم في طوابير ساعات، ومع ذلك فضلوا واقفين مصرين على دخول اللجان وحرروا محاضر وعملوا مشاكل.
رجل 1ـ أنا مش قادر أصدق. كيف يرفضنا نصف المصريين ونحن نمثل الإسلام. إحنا الإسلام. معقول المصريين يرفضوا الاسلام؟! معقول المصريين ما يصدقوش خطباء المساجد وهم بيقبّلوا أيديهم؟!
رجل 2 ـ الحمد لله لا زالت لرجال الدين قداسة. لولا خطباء المساجد لكانت النتيجة أسوأ. يجب ألا ننسى أن النتيجة جاءت نعم للدستور.
رجل 1 ـ نعم بأغلبية قليلة جداً إذا وضعناها مع الترتيبات والمبالغ التى أنفقناها يتبين أننا في حالة إخفاق مزري.
رجل 2 ـ دعاية الاعلام المغرض عملت تأثير سيئ.
رجل 1 ـ أنا استدعيتك لأجل نأخذ قرارات. لازم نستعرض الموقف ونضع الحلول. لن نمشي من هنا قبل أن نتفق على ما يجب عمله.
رجل 2 ـ تحت أمرك.
رجل 1 ـ أنا جبت لك ملخص لتعليقات الصحف الأجنبية. إبقى اقرأها على مهلك. الاعلام الغربي كله بيقول إننا انهزمنا سياسياً من نتيجة الاستفتاء. إحنا بنقدم أنفسنا للعالم على أننا أغلبية وأن الشعب في يدنا نقدر نحرّكه كما نريد في أي وقت. بنقول للعالم إن الليبراليين ليس لهم أي وجود في الشارع.. بعد نتيجة الاستفتاء لا يمكن أحد يصدقنا. اذا كان نصف الشعب صوت ضدنا يبقى الليبراليين عندهم شعبية زينا بالضبط. أنت مقدّر خطورة الموقف؟!
رجل 2ـ مقدر.
رجل 1ـ في الداخل عندنا مشكلة أخرى خطيرة .كنا بنقنع شبابنا أن كل انسان يرفض الدستور يبقى علماني وضد الدين. الآن لازم تحصل لهم بلبلة وتشكك لأن نصف الشعب رفض الدستور.
رجل 2 ـ فعلا هناك إحباط بين شبابنا من نتيجة الاستفتاء. الصبح أحد قيادات الشباب سألني: معقول نصف الشعب المصري بقى ضد الدين؟! ماعرفتش أرد عليه..
رجل 1 ـ لو شبابنا فضل في حالة تخبط ممكن يفقد ثقته فينا.
رجل 2 ـ ربنا يستر.
رجل 1ـ ..أنا وضعت خطوط عامة لمهمات يجب أداؤها من هنا لغاية يوم الاستفتاء الثاني.. المعركة حياة أو موت. لو طلعت النتائج زي الدور الأول تبقى بالنسبة إلينا ضربة ساحقة لن نفيق منها قبل سنوات.
رجل 2ـ أنا جاهز لتنفيذ كل ما تأمر به فضيلتك.
رجل 1ـ أولاً لا بد من محاربة الإعلام الفاسد المضل ..
رجل 2ـ اتخذنا عدة إجراءات في هذا الموضوع.. وزير الإعلام بدأ فعلاً في استبعاد كل العناصر التي لديها مواقف عدائية منا. بالنسبة للقنوات الخاصة إحنا بنراجع تراخيصها وموقفها القانوني. أول ما نلاقي مخالفة بنتخذ إجراء قانوني ضدهم فوراً.
رجل 1 ـ كل ده مش كفاية.. لا بد من تقويم الاعلاميين المنحرفين بكل الطرق.
رجل 2 ـ أنا متفق مع فضيلتك. هم ليسوا فقط منحرفين وإنما معادون للإسلام، كارهون لشرع الله. إحنا بعثنا رسالة قوية لهؤلاء. طبعاً فضيلتك سمعت عن الاعتصام الأخير والهجوم على جريدة «الوفد». أول الغيث قطرة بإذن الله.
رجل 1 ـ بصراحة أنا تابعت الاعتصام ما عجبنيش. أولاً المعتصمون ضربوا شخصيات مشهورة وهاجموا جريدة الوفد علناً فأعطوا للناس فكرة إننا بلطجية وده أكبر خطأ. اذا كنتم عاوزين تأدبوا واحد يبقى لازم الحادثة تكون بعيدة عنا. ثانياً الرجل اللي قاد الاعتصام ده أنا غير مقتنع به أساساً.
رجل 2 ـ أظن أنه رجل مخلص ولا أزكي على الله أحداً.
رجل 1 ـ حتى لو كان مخلصاً للأسف ضرره أكثر من نفعه لأنه أهوج وبيرتكب حماقات. في كل مرة يدعو الناس الى اعتصام وبعدين يرجع بيته ينام ويسيبهم ينضربوا..
رجل 2ـ هو بيقول إن ركبته بتوجعه ما يستحملش نومة الشارع.
رجل 1ـ طبعاً ركبته لازم توجعه من وزنه الثقيل. واضح انه بيأكل بعنف. إزاي وهو في الاعتصام يذبح كل يوم خروف عشان يأكله مع أصحابه. قل له لما يعتصم مش ضروري يأكل لحم ضاني. يبقى يأكل الطواجن دي في بيته، ولما يعتصم كفاية عليه سندوتشات. لما الشعب الجعان يشوفهم كل يوم بياكلوا خروف يقوم يتعاطف معهم على أي أساس؟!
رجل 2ـ الإخوة على اتصال به وأنا هأنقل له ملاحظات فضيلتك.
رجل 1 ـ إسمع. أنا عاوزك تجيب من الأمن تقارير عن أصحاب الصحف والقنوات الفضائية. كلهم رجال أعمال وحتلاقي عليهم مخالفات. حد يتصل بهم ويبقى الكلام واضح.. إما أن يوقفوا الهجوم علينا وإما نتقدم ببلاغات، وطبعاً النائب العام حيحيلهم للمحاكمة.
رجل 2ـ فكرة ممتازة.
رجل 1 ـ المهم تنفذها بسرعة. موضوع آخر مهم في الدورة الثانية من الاستفتاء، لازم نضاعف عدد الشباب. لازم يكونوا في كل لجنة.
رجل 2 ـ مجلس حقوق الانسان طلع تصاريح لعدد كبير من «الإخوان» حتى يحضروا داخل اللجان، مع إنّ ده مخالف القانون. لو زوّدوا التصاريح حيكون موقفهم محرج..
رجل 1 ـ قل للإخوان في المجلس أن دي رغبتي. لازم يطلعوا ضعف التصاريح. أي مشكلة إحنا حنتعامل معها.
رجل 2 ـ حاضر.
رجل 1 ـ الموضوع الثالث الترتيبات على الأرض. لازم نضاعف المجهود. الأخ فهد بعث لنا اليوم اثنين مليون دولار.
رجل 2 ـ محتاجين أكثر بكثير.
رجل 1 ـ اعتبر الميزانية مفتوحة.. الناس كلها لازم تنزل تؤيد الدستور.. لازم نوصل لكل بيت.. لازم نساعد الفقراء.. سنوزع عليهم احتياجاتهم كلها وهم عمرهم ما يخذلونا ..إصرف ولا تهتم بالتكاليف.
رجل 2 ـ سأتخذ الإجراءات لمضاعفة الكميات.
رجل 1 ـ إحنا عندنا خريطة لكل دائرة في مصر.. لوقدرنا نحشد الناس الصبح بدري في أول اللجنة. يبقى أخذنا الأصوات المطلوبة. بعد كده اللي هاييجي خليه يستنى في طوابير. بالطريقة دي نحقق أغلبية بإذن الله.
رجل 2 ـ بإذن الله. هل تكلفني فـضيلتك بأي مهمة أخرى.
رجل 1 ـ عاوزك تقول كلمة في التلفزيون ترحب بها في النتيجة وتقول إنك مستعد تقبل اختيار الشعب مهما كان. عاوزين الإخوة الكتاب والاعلاميين الشرفاء يهيئوا الرأي العام ان الدستور في أي بلد ممكن يتم إقراره بأغلبية ضئيلة.
رجل 2 ـ بدأوا فعلاً في التمهيد، جزاهم الله خيراً.
رجل 1 ـ همتك وربنا معنا. سأتولى بنفسي الاتصال بالأميركان. سأتصل بهيلاري كلينتون اليوم أو غداً على أقصى تقدير. سأشرح لها أننا لا زلنا الأغلبية ولا زلنا بمقدورنا السيطرة على الشارع. لازم أؤكد لها أن اتفاقنا ساري وإحنا بننفذه. لو ما أثبتناش قوتنا قدام الأميركان سيتخلون عن دعمنا في أي لحظة.
رجل 2 ـ بالتوفيق إن شاء الله.
رجل 1 ـ لا تغضب إن كنت تكلمت معك بعصبية.
رجل 2 ـ فضيلتك تعلم أنني لا يمكن أغضب منك. أستأذن من فضيلتك لأن لدي اجتماع في القصر.
[[[
رجل 1 ـ تفضل. بالتوفيق إن شاء الله.
كان هذا نص الحوار الذي دار بين الرجلين في المقر السري.
عزيزي القارئ.. من الرجل الأول ومن الرجل الثاني؟! اذا توصلت الى الإجابة الصحيحة برجاء إرسالها على عنواني الاليكتروني ولك هدية قيمة.
الديمقراطية هي الحل.
صحيفة المصري اليوم