إبريق الزيت الذي كان إبريق ماء

 

غريب ولافت هذا التشابه الكبير بين وجهي الحبيب الجملي، الذي فشلت حكومته في نيل ثقة البرلمان التونسي، منذ أيام قليلة، و”الدكتور كمال” المشهور ب”عراف بومهل” (نسبة إلى ضاحية بومهل، شرق مدينة تونس) الذي يعالج مرضاه بالبصاق.. أي نعم، بالبصاق عليهم، إذ يعمد هذا المشعوذ الذي جابت شهرته الآفاق وصار مليارديرا قبل أن تغلق السلطات المحلية عيادته وتحيله إلى المحكمة، إلى ملء فمه بالماء الساخن من إبريقه العجيب ومن ثم يبخه في وجه طالبي الاستشفاء الذين يتهافتون عليه من داخل البلاد وخارجها.

تفحص التونسيون ملامح وجه رئيس حكومتهم العتيدة قبل سقوطها المدوّي، فكّر أغلبهم وقدّر ثم تذكّر..وجدتها.. إنه هو، صاحب الإبريق، ” الدكتور كمال”.. سبحان الذي يخلق من الشبه أربعين، ذلك أن نجومية “عرّاف بومهل” على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تضاهيها نجومية أي سياسي أو حقوقي أو موسيقي في بلاد تضمّ أكثر من 145ألف “عالم روحاني” مرخّص له، حسب إحصائيات رسمية.

كنا في المقهى، وكنا أمام شاشة التلفزيون نستمع بتثاؤب وفتور إلى  ” سي الحبيب” وهو يعرف ببرنامج حكومته أمام البرلمان، وفجأة نطق أحد الجالسين ” سبحان الخالق الناطق.. كأنه ” سي كمال” ولا ينقصه إلا الإبريق”.

وبالفعل، كان الحبيب الجملي، يبتلع ريقه بصعوبة، أمام السيل الجارف من الانتقادات التي تنهال عليه من شتى الكتل البرلمانية، فبدت لي كأس الماء التي يرتشف منها بين الحين والآخر، إبريقا من الماء الساخن، فلم لا  ينفث ويبخ رذاذه في فضاء البرلمان فيتحول معارضوه ـ بفعل ساحر ـ إلى مؤيدين ومهللين ومصفقين؟.

” الدكتور كمال” لم يأت من فراغ، ولم ينزل بمظلة إلى “عيادته” بل صنعته بيئة خصبة، ويقف خلفه منتفعون ومشعوذون آخرون في أسواق المال والسياسة. انتفضت شرائح واسعة من التونسيين ضد صاحب الإبريق، عند غلق مقره، بمن فيهم أولئك الذين تزاحموا على عيادته متبركن ببصاقه ظنا منهم أنه يعالج بالرقية الشرعية.

اقتطع العراف المشعوذ الكثير من أرزاق البسطاء والجهلة والمغفلين مقابل أن يبصق في وجوههم، وربما اقتيد إلى التحقيق فوجد من يطمع في كرامات إبريقه من المسؤولين والأوصياء على تطبيق القانون. المشكلة أن ” الدكتور كمال” يقول إن عيادته مرخصة من قبل الدولة، ويستظهر بالوثائق، تماما كما تستشهد أحزاب تتستر على التطرف، ب”مشروعية قانونية” وتقول إنها منتخبة من قبل الشعب.

المسألة تشبه قصة “إبريق الزيت” في حكايا الجدات مع الأطفال لتنويمهم، وهي أحجية لا متن لها بل تتكرر حتى غدت مثلاً يدلّ على استهلاك الوقت بغرض التعجيز.. فهل سيعيدون على أسماعنا في البرلمان حكاية “إبريق الزيت”؟.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى