فورة غضب عباس تنتهي: «التنسيق» متواصل… حتى مع الأميركيين
لم يخالف وزراء الخارجية العرب، في اجتماعهم أول من أمس، التوقعات في شأن مواقفهم. أكبر ما صدر عنهم رفض لـ«صفقة القرن» التي «لا تلبّي الحدّ الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني». رفضٌ يستهدف تمويه شراكة دول وجهات عربية في نسج خيوط الصفقة والضغط على الفلسطينيين من أجل قبولها. بدا الأمر أشبه بـ«فزعة» كلامية لمحمود عباس، الذي يبدو أن تهديداته هو الآخر لن تغادر مربّع الكلام أيضاً. فما يقوله الرجل شيء، وما يحدث على الأرض شيء آخر، حتى ليظهر وكأن صراخه في الأيام الماضية، منذ إعلان «صفقة القرن»، لا يتجاوز حدود الاعتراض على شروط الوظيفة التي تسمى رئاسة السلطة. هو الأسلوب القديم نفسه، يكرّره «أبو مازن»، أملاً بإخافة الأميركيين والإسرائيليين، الذين يواصل رجاله في المقابل التنسيق معهم منعاً لأيّ تطوّرات غير محسوبة في الضفة المحتلة.
في الأيام الأولى لإعلان «صفقة القرن»، تبنّى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، سقفاً عالياً، على الأقلّ خطابياً. ومع أن الفصائل سبق أن جرّبت الرجل وتهديداته، إلا أنها لم تمانع منحه فرصة جديدة يكون فيها «قائد المرحلة». لكن، كما كان متوقّعاً، لم يحدث شيء؛ إذ ظلّت أساليب السلطة على حالها، من دون أن تمنع أيضاً تواصل الدعوات الفصائلية الموجّهة إلى عباس من أجل عقد اجتماع لـ«الإطار القيادي الموقت لمنظمة التحرير» و«تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي بقطع العلاقات مع إسرائيل». وبينما طالبت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بـ«عقد الاجتماع من أجل صياغة استراتيجية وطنية لمواجهة الهجمة الإسرائيلية، ولطيّ صفقة الانقسام»، انتقدت حركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين» سلوك الأجهزة الأمنية في الضفة المحتلة، والتي لا تزال تعمل مع أجهزة الأمن الأميركية والإسرائيلية، بل إنّ ممثّليها عقدوا لقاءً الخميس الماضي مع مديرة وكالة المخابرات المركزية الأميركية، جينا هاسبل.
وكان «أبو مازن» قد لوّح، في كلمته أول من أمس خلال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، بوقف «التنسيق الأمني» الذي لم يتردّد في الحديث عمّا أسداه من فوائد للاحتلال بقوله: «كنت أعطيه (للإسرائيلي) معلومات لم يكن يحلم بها، أما الآن، فليتحمل المسؤولية وحده». وأعلن عباس رفضه الخطة الأميركية أو أن «يُسجَّل في تاريخه أنه تنازل عن مدينة القدس، حتى لو اضطرّ إلى حلّ السلطة». واعترف بفشل مسار المفاوضات منذ الثمانينيات، قائلاً: «اعترفنا بإسرائيل عام 1988، وفي المقابل اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين بأن منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لكن الأمريكان لم يعترفوا بوجود الشعب الفلسطيني خلال المفاوضات». وأضاف: «وجّهنا رسالة إلى إسرائيل وأميركا أبلغناهما فيها بقطع العلاقات معهما، بما فيها الأمنية»، الأمر الذي تنفيه الوقائع كافة. أما وزراء الخارجية العرب، فاكتفوا ببيان شكلي أعلنوا فيه رفضهم بالإجماع الخطة الأميركية «لأنها لا تلبّي الحدّ الأدنى من حقوق وطموحات الشعب الفلسطيني، وتخالف مرجعيات عملية السلام».
ما قصة الوفد؟
استحالت قصة الوفد الذي ينوي زيارة غزة قضية شكلية بأهداف ليس لها علاقة بمواجهة «صفقة القرن». وعلمت «الأخبار» أنه اتُّفق على تشكيلة الوفد الذي سيرأسه القيادي الفتحاوي عزام الأحمد، ويضمّ للمرة الأولى الوزير السابق أحمد مجدلاني، إضافة إلى عشرين شخصية منهم مصطفى البرغوثي وبسام الصالحي وأركان سالم وإسماعيل جبر وروحي فتوح وفيصل كامل وواصل أبو يوسف. كما علمت «الأخبار» أن لا موعد مقرراً للزيارة التي تنتظر عودة الهدوء إلى القطاع، علماً بأن جدول أعمالها «لن يتجاوز عقد لقاء مماثل للقاء الذي عقدته قيادة المنظمة عشية إعلان صفقة القرن في رام الله»، لن يتطرّق إلى ملف المصالحة، وسيكتفي بإعلان موقف رافض ومندّد بالصفقة. وفيما تستعدّ «حماس» لاستقبال الوفد، أبلغتها «فتح» برغبتها في عقد لقاءات منفردة مع قيادة الحركة في غزة، بخلاف اللقاءات التي سيحضرها الوفد. وقال عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، خليل الحيّة، إنه على «رغم أهمية اللقاء المرتقب، نشدّد على ضرورة أن يُرتَّب من خلاله للقاء عاجل مقرّر على مستوى الأمناء العامين من أجل اعتماد برنامج عمل جدي».
معادلة جديدة في غزة
بعد أيام من القصف المتقطّع والمتبادل بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، برزت معادلة جديدة في قواعد الاشتباك تسعى المقاومة إلى كسرها وترسيخ أخرى لمصلحتها، بعدما حاول العدو رفع مستوى الردّ على البالونات المتفجّرة بقصفه المواقع العسكرية للفصائل. ويقول مصدر في المقاومة، لـ«الأخبار»، إنه منذ منتصف الأسبوع الماضي «ارتفعت وتيرة التصعيد، بعدما عمد الاحتلال إلى قصف مواقع المقاومة ردّاً على البالونات، الأمر الذي رفضته المقاومة وردّت عليه بإطلاق قذائف هاون على مواقع المراقبة الحدودية»، بلغت 14 قذيفة وصاروخاً وفق المتحدث باسم جيش العدو. جراء ذلك، فرض الاحتلال عقوبات جديدة عبر منع إدخال الاسمنت، وإيقاف تصاريح عمل 500 تاجر يعبرون من غزة إلى الضفة والأراضي المحتلة عبر حاجز «بيت حانون ــــ إيريز»، وهو ما حذّر المصدر من أنه سيواجَه عبر الميدان، مشيراً إلى «تواصل حثيث» مع الوسطاء في هذا الشأن. مع هذا، قالت قنوات تلفزة عبرية إن «النظام الأمني يستعدّ لاحتمال توتر الأوضاع مع غزة، وقد تكون هناك أيام من القتال بعد إطلاق الصواريخ والبالونات المفخخة لليوم الرابع على التوالي».
وعلى رغم القصف الإسرائيلي لمواقع المقاومة، يتواصل إطلاق البالونات المفخخة تجاه الأراضي المحتلة، فيما أفادت مصادر عبرية بالعثور على بالونات في مناطق في «غلاف غزة» ومناطق بعيدة جداً، منها «متسبيه رمون» التي تبعد عن قطاع غزة مسافة 90 كلم. أيضاً، اعترف العدو بأن المقاومة أطلقت النار تجاه برج مراقبة قبالة مستوطنة «نتيف هعسراه» شمال القطاع «دون إصابات». ومما يدفع إلى الردّ الإسرائيلي، وفق تقديرات، أن المقاومة وجّهت ليلة أول من أمس إهانة جديدة إلى القيادة الإسرائيلية، لكن هذه المرة إلى زعيم تحالف «أزرق أبيض»، بيني غانتس، بقصفها مستوطنة «نحال عوز» بعدد من قذائف الهاون أثناء زيارته لها، الأمر الذي دفعه إلى دخول الملاجئ. وعلى خلفية ذلك، توجّه حزبه أمس إلى «الكنيست» لتقديم طلب بتوقيع 33 عضواً من أجل «عقد جلسة طارئة بشأن التصعيد على جبهة غزة».
صحيفة الأخبار اللبنانية