لماذا يَرفُض بوتين لقاء قمّة مع أردوغان لحل الأزمة في إدلب سلميًّا؟

 

كان لافِتًا أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يستَجِب “حتّى الآن” لطلب لِقائه الذي أعلنه نظيره التركيّ رجب طيّب أردوغان أكثر من مرّةٍ لبحث تصاعُد حدّة المُواجهات في مُحافظة إدلب، وتَزايُد احتِمالات تحوّلها إلى حربٍ شاملةٍ إثر تقدّم قوّات الجيش العربي السوري واستِعادتها عشرات القُرى والبلدات، علاوةً على ثلاث مُدن رئيسيّة هي خان شيخون ومعرّة النعمان وسراقب، وفتح الطّريقين الدّوليين اللّذين يَربُطان بين حلب ودِمشق، وحلب واللاذقيّة لأوّل مرّةٍ مُنذ عام 2012.

رفض الرئيس بوتين لِقاء نظيره أردوغان يعكِس استِيائه من التّعزيزات العسكريّة التركيّة في مِنطقة إدلب التي تتناقض مع اتّفاق سوتشي بين الزّعيمين، ومُحاولة الرئيس أردوغان إجبار القِيادة الروسيّة على بدء مُفاوضات جديدة للتوصّل إلى اتّفاقٍ بديل، عُنوانه الأبرز إعلان هدنة جديدة وإجبار القوّات السوريّة على الانسِحاب من كُل الأراضي والمُدن التي استَعادتها في الأسابيع الأخيرة، والحُصول على ضمانات باستِمرار الوجود العسكريّ التركيّ في عفرين وجرابلس والباب.

فشل المُفاوضات التي أجراها الوفدان العسكريّان الروسيّ والتركيّ في أنقرة، العاصمة التركيّة حول إدلب يعني أنّ الرّوس يرفضون جميع المطالب التركيّة، ويُصرّون على التِزام الرئيس أردوغان باتّفاق سوتشي وتطبيقه حرفيًّا والتوقّف عن أسلوب المُناورة لكسب الوقت وإلا الحل العسكريّ الذي بدَأه الجيش العربي السوري المدعوم روسيًّا في الجو، وعلى الأرض، سيكون الخِيار الوحيد.

حرب الأعصاب التي أطلقها الرئيس أردوغان وتمثّلت في بيانه الذي قال فيه إنّ قوّاته “حيّدت” 101 جندي سوري ردًّا على مقتل 13 جُنديًّا تُركيًّا بقصفٍ صاروخيّ سوريّ لنُقطة مُراقبتهم في ريف إدلب أعطت نتائج عكسيّة تمامًا، خاصّةً عندما “كذّب” المرصد السوري لحُقوق الإنسان المُعارض ما ورد في هذا البيان، وأكّد أنّه لم يُقتَل أيّ جندي سوري في أيّ قصف تركي، وتبيّن أنّ هذا البيان جاء لامتِصاص حالة الغضب في أوساط الرأي العام التركيّ من جرّاء مقتل هذا العدد من الجُنود الأتراك، وهو العدد المُرشّح للارتِفاع إذا ما توسّعت دائرة المُواجهات في الأيّام المُقبلة.

هُناك 3 تطوّرات مهمّة يجب تسليط الأضواء عليها قبل مُحاولة التوصّل إلى نتائجٍ مُحتَملة يُمكن أن تترتّب على هذا التّصعيد السوريّ التركيّ:

أوّلًا: أنّ رِهان الجانب التركيّ على قوّات المُعارضة السوريّة المسلّحة، والجيش الحر على وجه التّحديد، ثَبُت فشله، فقد انسحبت جميع هذه القوّات من المُدن الثّلاث خان شيخون ومعرّة النعمان، ولم يُدافع عنها مُطلقًا بالشّكل المُتوقّع، ودخَلها الجيش العربي السوري دون أن يخسر جُنديًّا واحِدًا.

ثانيًا: نُقاط المُراقبة العسكريّة التركيّة (12 نُقطة) في ريف إدلب التي جرى إقامتها تطبيقًا لاتّفاق خفض التّصعيد في إدلب وريفها، باتت تُشكّل عِبْئًا، ونُقطة ضعف قاتِلة للجانِب التركيّ، لأنّ سبعة منها باتت مُحاصرةً حاليًّا من قِبَل الجيش العربي السوري تضُم كُل واحدة مِئة جندي تركي تقريبًا، ويُمكن تدميرها وقتل كُل من فيها في حال حُدوث أيّ هُجوم تركيّ على القوّات السوريّة.

ثالثًا: الدّعم الروسي لزحف الجيش العربي السوري تعزّز أكثر من أيِّ وقتٍ مضى عندما أطلقت خلايا تابعة لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) طائرتين مُسيّرتين اثنتين باتّجاه قاعدة حميميم الروسيّة الجويّة جرى إسقاطها يوم أمس.

الرئيس أردوغان أصدر إنذارًا ثانيًا للجيش السوري بالتصدّي له بقوّةٍ إذا لم ينسحب إلى خُطوط سوتشي، ويتخلّى بالتّالي عن كُل إنجازاته الأخيرة ولكن هذه الإنذارات لم تَعُد تُؤخَذ بالجديّة المطلوبة، تطبيقًا للمثل الذي يقول “من يُهدّد لا يكبّر حجره”، وكان الرئيس أردوغان هدّد بإرسال آلاف الجُنود الأتراك إلى ليبيا للقِتال إلى جانب حُكومة الوفاق تطبيقًا لاتّفاقه مع رئيسها فايز السراج، ولكنّه لم يُرسِل جُنديًّا تُركيًّا واحِدًا، رُغم استِصداره قرارًا من البرلمان في هذا الصّدد، واكتفى بإرسال، أو بالأحرى التخلّص، من 4500 مُقاتل من الإسلاميين السوريين المُتشدّدين، لإدراكه المخاطر المُترتّبة على تِلك الخطوة.

الجيش العربي السوري أكّد في بيانٍ رسميٍّ الثلاثاء بأنّه سيَرُد على أيّ هُجوم تشنّه القوّات التركيّة على قوّاته، بهدف عرقلة تقدّمه في ريف إدلب، ولا نستبعد أن يكون الرّد الأوّلي بقصف نُقاط المُراقبة التركيّة المُحاصرة، وبضوءٍ أخضر من الحليف الروسي.

إعلان مندوبة الولايات المتحدة في حلف النّاتو الوقوف في خندق “الحليف التركي” في مُواجهة التّحالف السوري الروسي، ليس اصطِيادًا في ماء الأزمة العَكِر فقط، وإنّما أيضًا لأنّ هذا الدّعم الأمريكيّ غير جدّي أوّلًا، وسيُشكّل “استفزازًا” للرئيس بوتين شخصيًّا، وتوريطًا لتركيا في حربٍ تُؤدّي إلى استِنزافها ماليًّا وعسكريًّا، وقد تُؤدّي إلى انقلابٍ عسكريّ، أو حتى ثورة شعبيّة.

لا نعتقد أنّ الرئيس بوتين لا يملك خططًا بديلةً للرّد على أيّ دعم أمريكي، أو توغّل للقوّات التركيّة في إدلب، ورفضه أيّ لقاء مع أردوغان يُؤكّد عزمه على المُضِي قُدمًا في خططه المُتّفق عليها مع  القِيادة السوريّة لاستعادة إدلب بالكامل، والانتِقال بعدها إلى شرق الفُرات.

معلوماتنا التي حصلنا عليها من مصادرٍ وثيقةٍ تُؤكِّد أنّ الرئيس بوتين في قمّة غضبه بسبب رفض الرئيس أردوغان “اقتراحه” لقاء الرئيس السوري بشار الأسد في لقاء قمّة في سوتشي برعايةٍ روسيّة لإحياء اتّفاق أضنة عام 1998، وهي القمّة التي جاء اللّقاء العلنيّ بين اللواء علي المملوك، مسؤول المجلس الأمني السوري الأعلى، ونظيره التركيّ حقان فيدان، تمهيدًا لها، وللتّفاهم على جدول أعمالها.

الرئيس أردوغان أضاع فرصةً ذهبيّةً أخرى برفضه مُبادرة الوِساطة التي عرضتها إيران على لسان وزير خارجيّتها محمد جواد ظريف لإيجاد حلٍّ سياسي للأزمة السوريّة التركيّة عبر المُفاوضات بين الجانبين السوري أو التركي، وهي المُبادرة التي قد تكون الأخيرة قبل اندِلاع الحرب المُباشرة بين طرفيّ الصّراع في إدلب.

عدد النّازحين السوريين الذين يتدفّقون على الحُدود التركيّة المُغلقة من إدلب وريفها للنّجاة بأرواحهم من الحرب الوشيكة، يقتربون من المِليون نازح، حسب آخر إحصاءات المُراقبين، واقتحام هؤلاء وغيرهم للحُدود بات مُؤكّدًا ولن يمنعهم أحد.

في عام 2008 وفي ذروة الحِصار التّجويعي على قِطاع غزّة من الجانبين المِصري والإسرائيلي، اقتَحم حواليّ 800 ألف فِلسطيني الحُدود المِصريّة ولم تُروّعهم تهديدات الجنود المِصريين بإطلاق النّار، ومن المُفارقة أنّه عندما سأل القادة الميدانيين المِصريين وزير دفاعهم المشير طنطاوي في حينها وكانوا يتوقّعون هذا الاقتحام، ماذا ستفعل يا سيادة المشير قال لهم بالحرف الواحد.. افتحوا لهم الطّريق، ومهّدوها بالجرّافات، وإيّاكم أن تُطلِقوا رصاصةً واحدة.

اقتحام هؤلاء النّازحين السوريين للحُدود التركيّة بات حتميًّا، وهذا أكثر ما يخشاه مُحِقًّا الرئيس أردوغان، ولكنّ السّؤال هو: هل سيتصرّف قائد جيشه التصرّف نفسه للمشير طنطاوي؟ ويأمُر قوّاته بعدم إطلاق الرّصاص؟

الفارق الوحيد بين الحُدود المِصريّة والحُدود التركيّة قُبالة إدلب، أنّ مُقتَحمي الحُدود المِصريّة من أبناء قطاع غزّة لم يكونوا مُسلّحين ولا يُريدون الإقامة في الجانب المِصري، بينما نُظراؤهم السوريّون يندسّ بين صُفوفهم الآلاف من المُسلّحين المُتشدّدين والمُقاتلين من فصائل مُصنّفة على قوائم الإرهاب، وهُنا تَكمُن الخُطورة.

لا نستبعد أن يتكرّر سيناريو اقتحام الحُدود “الغزّاوي” في إدلب، وأن يُعيد تاريخ بِدايات الأزمة السوريّة نفسه، ولكن في الاتّجاه الآخر، حيث يصح القول من البعض للرئيس أردوغان “بِضاعتكم رُدّت إليكُم”.. واللُه أعلم.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى