التّهديدات الصّهيونيّة لغزة.. دعاية انتخابيَّة أم مواجهة قادمة؟!
قبل أيامٍ، أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن تحضيره مفاجأة غير متوقّعة لحركة حماس في قطاع غزة. رسالة نتنياهو لم تكن الأولى، فقد سبقها بأيام تهديده بالقيام بعمليّة عسكريّة ضد قوى المقاومة في غزة، رداً على مواصلة إطلاق البالونات وبعض الصّواريخ على الأراضي المحتلّة عام 48 المحاذية للقطاع.
ولم يكن رئيس حكومة العدوّ متفرّداً بإرسال رسائل علنية إلى حماس وقوى المقاومة الفاعلة في غزة، فقد تحدَّث وزير الحرب الصّهيونيّ نفتالي بينيت أيضاً عن قدرة الجيش على توجيه ضربات مؤلمة، في ظلِّ مواصلة الفعاليات الشعبية وإطلاق البالونات الذي أحدث ضجةً وحالةً من السّخط لدى الجمهور الصّهيونيّ المتضرّر من أصوات الانفجارات اليوميّة.
على الجانب الآخر، تسعى قوى المعارضة الصّهيونيّة إلى استثمار الملفّ الأمنيّ في الصّراع الانتخابيّ الصّهيونيّ، من خلال تهديد زعيم “أزرق أبيض” بني غانتس بتوجّهه بعد الانتخابات إلى الجنوب (قطاع غزة) لإنهاء حالة الفوضى الأمنية، نتيجة فشل حكومة نتنياهو واليمين في تجاوز الأزمة. كما عُقدت جلسة للكنيست المنحلّ لمناقشة الأوضاع الأمنية في غزة بدعوةٍ من “أزرق أبيض”.
لا يمكن الفصل بين التّصريحات الصّهيونيّة واحتدام الدّعاية الانتخابيّة في السّاحة السياسيّة الإسرائيليّة، والتي تتمّ للمرة الثالثة خلال عام.
هو صراعٌ سياسيٌّ يسعى خلاله كلّ طرف إلى إثبات أنّه الأكثر قدرةً على تنفيذ الأجندة الأمنية، وكبح جماح قوى المقاومة، وتثبيت الهدوء مع قطاع غزة.
هو صراعٌ انتخابيٌّ لا تقف حدوده عند الأحزاب اليمينية المشاركة في الحكومة بزعامة نتنياهو وأحزاب المعارضة، وعلى رأسها “أزرق أبيض”، بل تتعداه إلى معسكر اليمين الصهيوني المتحالف، وهو ما عبّر عنه نتنياهو في حديثه إلى القناة “20”، قناة اليمين، عندما قال إنَّه منح وزير الحرب بينيت الأدوات والإمكانيات المطلوبة كافةً للتعامل مع قطاع غزة وتوفير الهدوء لمناطق الجنوب.
أما بالنسبة إلى نتنياهو، فإنَّ استحضار الملفّ الأمنيّ يوفر له أريحيّة انتخابيّة في مواجهة خصومه، إذ يتحقّق له هدفان: الأوَّل هو تغييب ملفّات الفساد ومحاكمته أمام القضاء عن الساحة السياسية والمشهد الانتخابي للجمهور الصهيوني، والآخر تحقيق إنجازات في الملفّ الأمنيّ قادر على تسويقها.
في المقابل، إنّ خصومه في “أزرق أبيض” كانوا جزءاً من الملفّات الساخنة، وعلى وجه الخصوص قطاع غزة. ففي عدوان العام 2014 على قطاع غزة، كان زعيم حزب “أزرق أبيض” غانتس قائد الجيش، وكان الرجل الثاني في الحزب لبيد عضواً في المجلس الوزاري المصغر، وكان الشخص الرابع يعلون وزيراً للحرب وعضواً في المجلس الوزاري. وكانوا كلّهم شركاء في المواجهة، ووصلوا إلى النتيجة نفسها.
وعلى الرغم من سخونة الأوضاع الميدانيَّة، ونشر الجيش الصهيوني القبّة الحديديّة في بعض المناطق المحاذية لغزة، ونشاط الطيران الصهيوني المكثّف في أجواء القطاع، فإنَّ الظّروف السياسيّة – في تقديري – ما زالت حتى إجراء الانتخابات تحول دون الدخول في مواجهة واسعة مع المقاومة.
ويمكن تفسير سلوك الجيش الميدانيّ بأنه استعداد لأيِّ تهديد من قطاع غزة، بعد إعلان خطة ترامب، وتفاعل تداعيات اغتيال الشهيد قاسم سليماني.
يدرك العدوّ أنّ أيّ قرار مواجهة في المرحلة الحالية لن يحقّق له أي نتائج إيجابية، فهو لن يتمكَّن من تحقيق الهدوء المنشود، ولا يمكن خلال عملية عسكرية القضاء على حماس وقوى المقاومة معها، كما أنَّ رئيس حكومة العدو يدرك أنَّ الوقت لا يسمح له بالذهاب إلى خيارات المواجهة الواسعة مع غزة أو المواجهة متوسّطة الأمد، فالفترة المتبقية لإجراء الانتخابات قليلة وغير كافية.
يُضاف إلى ذلك، أنّ أيّ مواجهة ربما تؤثّر في صوت الناخب الصّهيونيّ، في وقت يسعى نتنياهو واليمين إلى الحصول على 61 مقعداً في الانتخابات، مع احتدام المنافسة بين الأحزاب الإسرائيلية، والخشية من ظهور نتائج مشابهة للنتائج الحالية، وهو ما تشير إليه مؤشرات استطلاع الرأي.
قد تحدث المعطيات الميدانية تطوراً ينتج تصعيداً، مع استبعادي هذا الخيار في المرحلة الراهنة، إلا أنَّ ظروفه تبقى قائمة، بيد أنَّ ما يدركه نتنياهو وقيادة الجيش تماماً أنّ أيّ تصعيد واسع أو قرار مواجهة واسعة، سيكون له نتائج سلبية عليهم، وأنَّ قدرة المقاومة على إيلام العدو عالية. لذلك، يبقى صوت الدعاية الانتخابية أعلى من صوت المواجهة.
الميادين نت