كتابة الرواية .. هل توجد وصفة لها؟

 

تعودُ جذور تصنيف الفنون والأعمال الأدبية إلى اليونانيين، وانتقل هذا التقليد من الإغريق إلى الثقافات الأخرى وأصبحَ التصنيف موضع اهتمام الإشتغالات النقدية والمختصين في تحديد النوع الأدبي، صحيح أنَّ الجدل قد احتدَّ في الآونة الأخيرة بشأن مفهوم الجنس الأدبي بعدما تداخلت الأجناس والأنواع الأدبية بحيثُ سادت الآراء التى تؤكدُ على ضرورة معالجة النصوص الأدبية بعيداً عن التقييد بمحددات النوع.

دع منك هذا النقاش الذي قد لا ينتهي قريباً ويبدو نخبوياً، فبالتالي لا يضيفُ كثيراً إلى من يتعاملُ مع النصوص الأدبية بوصفها قيمة جمالية معبرة عن التجربة والهموم الإنسانية والمفتاح الأساسي لإدراك مضمراتها هو التذوق. ضفْ إلى ذلك فإنَّ تحرر القاريء من صفة المستهلك ومبادرته لفتح حلقة النقاش مع صاحب الأثر الأدبي قد سحب من يد الناقد أوراق اللعبة. وإذا أراد استعادة بعضها فما عليه سوى متابعة العوامل التي تمكنُ القاريء من التفطن إلى المُناخ الثقافي والأدبي، ومن الواضح أنَّ قراءة الأعمال الروائية قد غدت ظاهرة عالمية ويأتي هذا التطورُ متزامناً مع تضخم دور البيئات الإفتراضية على الرأي العام وتشكيل الذائقة الجماعية ونشوء مفهوم التجاورية في الخطابات .

الواقع الجديد

لا يمرُ كل ما سبق الإشارة إليه مروراً عابراً على الأمزجة ومستويات التلقي للنصوص الأدبية فإنَّ تحول العالم الإفتراضي إلى بنية أساسية في الأعمال الأدبية من التمظهرات البارزة للواقع الجديد، كما أنَّ تداول العناوين الأدبية والترشيحات للقراءة في المنتديات الإفتراضية إضافة إلى المحاولات الرامية لإنشاء مواقع خاصة لمناقشة تقنيات الكتابة هذه المعطيات كلها تغذي الرغبة التواصلية على الصعيد الأدبي والثقافي بين الجمهور القراء من جهة وبين القاريء والمؤلف من جهة أخرى.

ومن المعلوم أنَّ معظم من يدرسونَ في ورشات كتابة الرواية هم الروائيون الذين يعتمدون على تراكم الخبرة والدراية في صنعة هذا الفن، وقد تحقق المشاركة في الورشات السردية رغبة القاريء بأن يصبحَ روائياً إذا تمكن من توظيف ثقافته الأدبية في نحت أسلوبه وغامر بتأثيث عالمه منطلقاً من قدرة مخيلته التي تعتبر عنصراً رئيسياً في النصوص الروائية المتميزة، ولولا الخيال يستحيلُ على الروائي سد الثغرات في المواد التاريخية كما تخسرُ الرواية المستقاة موادها من الأحداث الراهنة قيمتها الأدبية دون توفر عنصر التخيُّل في بنائها.

لا شكَّ أنَّ هناك عناوين يقعُ عليها اختيارُ المدربين في ورشات الكتابة لدراستها مع المشاركين. بموازاة تصاعد عدد قراء الرواية وتزايد الطلب على الأعمال الروائية وإنضمام كثير من الكتاب إلى مظلة هذا الفن، وإفتتاح الورشات الخاصة بكتابة الرواية وقد يكتسبُ المشاركون فيها معلومات عن تقنيات السرد ويدرسون ما يكسبهم الخبرة في تنظيم المواد وترتيب الحلقات السردية. هنا قد يتساءلُ بعض المهتمين الذين لا تتوفرُ لهم فرصة المشاركة في هذه الورشات ومحترفات الكتابة عن الأعمال التي تضيفُ قراءتها وعياً للمتابع على المستوى الفني كما يحقُ للمتابع أن يتساءلَ عن مواصفات الرواية التى تصلح للقراءة في الورشات هل تفيدُ ما سمي بالروايات العالمية المبتديء في مجال الكتابة؟ هل تعتبرُ الجوائز أو الشهرة مقياساً لتناول روايات معينة ضمن نشاطات ورشة الكتابة؟ هل يكونُ المتدربُ موضوعياً في تحديد جدول العناوين التي يدرسها مع المشاركين؟ بالطبع أنَّ ما يهمُ المشاركُ في هذه الدورات هو معرفة ترتيب المادة الروائية وشكل العمل.

يقول الكاتب التركي أورهان باموك إنَّ الروايات تكشفُ عمقها ومعناها عن طريق الأشكال والتقنيات التي تتألفُ منها. إذاً فإنَّ ما يتأكدُ منه المتابعُ هو وفرة المواد لكتابة الرواية ولن يعاني الروائي من أزمة على مستوى الموضوع.

الأولوية

يتوقف نجاح العمل الأدبي على العناصر المكونة للخطاب وترتيب المادة المروية وهذا ما يحتمُ قراءة الأعمال التي تستمدُ قيمتها من الشكل والصياغة وتوزيع المساحة، صحيح يزخر سجل الأدب العالمي بروايات رائعة غير أنَّ آلية تعاطي المبتديء بكتابة العمل الروائي يجبُ أن تخدمَ رغبته لإنجاز العمل وتنمية لياقته وتذوقه في رسمِ ملامح الشخصيات والتحكم ببنية الزمن.

طبعاً إذا تمكنَ المتابعُ في توظيف العنصر الأخير في بناء الحكاية فذلك يعني قد كسبَ الرهانَ. ونحنُ نتحدثُ عن أولوية جدول العناوين بالنسبة لمن يريد إختبار كتابة العمل الروائي يمكنُ الإشارة إلى مجموعة من العناوين، وفي نهاية المطاف لا يعدو كون هذه الترشيحات إجتهاداً قد يصيب أو يخطيءُ.

تتصدرُ رواية “العاشرة والنصف ليلاً في الصيف” قائمة الروايات تفيد المبتديء في كتابة الرواية إذ تفوقت مؤلفة “العاشق” على الصعيد الفني في كتابة روايتها وتتصفُ حركة السردُ بالرشاقة وتخلص أسلوبها من تورم الإسترجاعات تثقلُ بنية كثير من الروايات.

ضف إلى ما سبق رواية “أب سينمائي” للكاتب التشيلي أنطونيو سكارميتا تكمنُ أهمية هذا العمل في بساطة الثيمة وبراعة تقطيع الحزمات السردية، وهذا ما يظهر دور الأسلوب في سكب التشويق على جسد النص. ولا تختلفُ رواية راوية “أفلام” لصاحبها إيرنان ريبيرا لتيلير، إذ يعالجُ الأخيرُ ثيمات مختلفة بأسلوب رشيق يفيضُ متعةً، ولا يكون المتلقي مجرد متابع لمحتويات القصة إنما يتخيلُ الصور والمشاهد للأفلام التي تسردها ماريا مرغريتا على مسمع أهالي القرية.

يؤكد مضمون هذا العمل حقيقة النظرة التي تفيد بأنَّ كل شيءِ عبارة عن مادة جاهزة لتحويلها إلى موضوع روائي. وفي هذا الإطار لا يجوزُ عدم التنويه إلى تجربة الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ وهو من صف المبدعين الذين يتآنسُ القراءُ مع أعماله وذلك لوضوح خطه وما يتضمنهُ من التشويقِ والإنسيابية، هذا فضلاً أنَّ ما يُقاربهُ صاحبُ “عالم الأمس” في رواياته لا ينفصلُ عن طوايا الإنسان وخباياه النفسية.

أما بالنسبة للكاتبة إيزابيل ألليندي فإنَّ ما يتميزُ بها على مستوى الأسلوب وتشكيلة العمل هو التكاملية، عندما يتمُ الإنتقال بسلاسة بين فصول أعمالها وفي هذا السياق لا بدَّ من ذكائها في توظيف الشخصيات والتدرج في حركة السرد نحو النواة المبثوثة في فضاء النص.

ما يحسبُ لصاحبة “باولا” هو وضوح البنية الزمنية في قصص الإطار هنا يجبُ إضافة رواية “ميرامار” لنجيب محفوظ نظراً لتصميم بنيتها ونحت خصائص الشخصيات ومستويات اللغة المتوفرة في هذا النص، كما تأخذُ “ثرثرة فوق النيل” أهمية كبيرة لما فيها من حسن توظيف لتقنية الحوار لاسيما في المقاطع الأخيرة حيث تتشابك الأفكار.

عطفاً على كل ما ورد سلفاً، فالمطلوب من المتابع قراءة همنغواي لإكتساب الدراية بالجملة الحوارية والمشهدية والعبارات التلغرافية، وتنفتحُ اللائحة لرواية “جنود سالامينا” أيضاً ويتبعُ خافير سيركاس أسلوب إستقصاء المعلومات والتوثيق ويمررُ المتلكم بالضمير الأول ذكرياته الشخصية وتجاربه في شريط السرد. هنا يتجاور التاريخ والخبر والتخيُّل والسيرة. إذاً لا يهم توصيف الأعمال الروائية بقاتلة أو عظيمة أو فروسية بقدر ما أنَّ ما هو ضروري هو متابعة الروايات المنفتحة على الفنون والأجناس الأدبية الأخرى.

وفي الأخير نقدم وصفة خوان رولفو صاحب “بيدرو بارامو” كنْ محترفاً في القراءة وهاوياً في الكتابة.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى