على هامش المشروع الثقافي لاتحاد الكتاب العرب: الكاتب السوري ليس في قائمة الناجحين! (1)

 

خاص باب الشرق

تذكرتُ حال الكاتب السوري هذه الأيام، وأنا أشاهد المسلسل البوليسي (الكاتب) للفنان باسل خياط، الذي يلعب فيه دور (الكاتب يونس جبران) المتهم بجريمة قتل. وما يهمني هنا هو الأموال التي تجنيها تلك الشخصية من مهنة الكتابة، ناهيك عن الشهرة، واضطرار دار النشر إلى وضع شرط دفع مليون دولار إذا أخلَّ الكاتب بالعقد، وهذا يعني (احتكار) إبداع الكاتب في (سوق) الإنتاج الثقافي، وبالتالي رواج إبداعه واسمه في مجال الاستثمار المالي، فكيف هو في الحال السياسي.

على هذا الصعيد، نحن أمام حالة محزنة بالنسبة لواقع الكاتب السوري، سواء على صعيد الشهرة أو المردود أو سوق الأفكار، وهذه مسألة أهم ما يُستنتج منها، هو (شكل النجاح)، فالكاتب السوري على ذلك ليس في قائمة الناجحين!

ولكي نبيح لأنفسنا أن نصفه بالنجاح أو غير النجاح، ينبغي أن نحدد شروط النجاح الحقيقية من وجهة نظرنا، وهي بالضرورة ووفق المرحلة التاريخية في بلادنا تبنى على تمسّك الكاتب بهويته وانتمائه الوطني وتحقيق حالة إبداعية فذة تحميها ثقته بنفسه ومقدرته على الوصول إلى الناس في إطار حصانته كمثقف.

وهي هنا لا تطابق الشروط المعروفة في المجتمع الاستهلاكي التي تحوّل المقاييس الحقيقية إلى معايير (العرض والطلب) والإثارة والفضائح فقط، ففي السوق كاتبنا سلعة غير رابحة والكتابة لا تطعم خبزاً هذه الأيام، لذلك علينا أن نحصنه في هذا الجانب، فنخرجه من مفهوم السوق ونضعه في إطار دوره الوطني والفكري والثقافي ونسعى نحن لاستثماره اجتماعياً ووطنياً، وهو المورد الأكبر في سوق الإنتاج الثقافي، وفي عملية الاستثمار الثقافي التي سنتحدث عنها.

بعبارة مختصرة، الكاتب في إطاره العام يشتغل أو يكتب ليؤمن دخلاً مقبولاً ليعيش، تماما مثل أي موظف في (النفوس)، ولكي يكون الحديث أكثر دقة، ينبغي أن نحدد بداية أننا في سورية بحاجة إلى كاتب قوي ومبدع وملتزم بقضايا الناس والوطن، وفي الوقت نفسه ينبغي أن لا نعامله كموظف نفوس أو (كعرض حالجي رخيص الأجرة)، ويفترض في هذه الحالة أن يعامل بالقيمة الحقيقية التي يؤديها!

المؤسسة المعنية بنقاش هذه المسألة، هي المنظمة التي أوكلت إليها مهمة احتضان الكاتب السوري، وتأطير عمله وإبداعه وشروط التعامل معه، أي (اتحاد الكتاب العرب في سورية)، و الظروف الصعبة التي تمر بها سورية، وتردي حال الكاتب، تحفز على إطلاق مشروع ثقافي واضح ونافذ الرؤية وجريء في تعاطيه مع محددات الإبداع والقيمة الثقافية المطلوب من الكاتب أن يضيفها للأمة!

ما الذي يجري على هذا الصعيد؟!

في مفهوم الأجيال، قدم المجتمع السوري في المرحلة الأولى (الاستقلال ومابعده) صفوفاً معروفة من الكتاب كبدوي الجبل ونزار قباني وعبد السلام العجيلي وعمر أبو ريشة وحنا مينة وصدقي إسماعيل والطيب تيزيني وشوقي بغدادي وممدوح عدوان وفايز خضور ونزيه أبو عفش، وغيرهم ممن يعرفهم القارئ السوري.

بعض هؤلاء احتضنه المجتمع وبعضهم تبنته المؤسسات الحزبية والرسمية بمختلف انتماءاتها، فهيأت له ظروف الشهرة التي يتطلبها عمله عبر الإعلام، وبعضهم وهم قلة نجحوا في لعبة السوق نفسها..

وخلال المرحلة المقصودة تعرّف المجتمع السوري على مفكرين وكتاب وشعراء وروائيين ويتباهى بمعرفته بهم وبإنتاجهم بل ويؤسس لرؤاه على ذلك، لكن قطيعة حدثت في سياق مفهوم الأجيال، جعلتنا نسأل ما الذي حصل؟ وجعلت كثيرين يتهمون الكتاب بالعجز والرخص والخصاء!

كيف تعاطى اتحاد الكتاب مع هذه الصيرورة في حياة الكاتب والمثقف السوري؟

في البداية التاريخية لتأسيسه أقدم الكتاب أنفسهم ، ومن موقع قوتهم هم، على تأطير نشاطهم بمنظمة فأسسوا الإتحاد، وما لبث هذه المؤسسة النقابية أن قويت بهم، فقووا بها، ودفعت الدولة إلى تبنيها، بل وبتقديم مبنى ضخماً لها للحفاظ على استقلاليتها المالية، ونلاحظ هنا أهمية العلاقة بين (قوة الكاتب) و (قوة الاتحاد/ المؤسسة) الذي ينتمي إليه..

في المرحلة التالية، تعالت أصواتٌ تحذر من تدهور الحال الثقافي وبالتالي الوصول إلى مايشبه الركود وانخفاض قيمة الكاتب الاجتماعية والحضارية، وقام الاتحاد الذي أطلقه كتاب معروفون بتأطير الكاتب وتحويله إلى مرحلة لهاث وراء اللقمة، وهو خطر كان يتحاشاه صاحب القرار بتقديم برج للاتحاد ليمول نفسه بنفسه.

لقد تنبه إلى علاقة غير صحية بين (الكاتب والاتحاد) الشاعر الكبير محمد الماغوط في مقال جميل نشر في العدد الثاني على ما أعتقد من صحيفة تشرين يسخر فيه من ظاهرة الركود في مبنى الاتحاد السابق في شارع مرشد خاطر (ذكرنا تفاصيله في مقال سابق) وكأنه يوحي بانهيار منظومة الكتّاب وموت دورهم التنويري والوطني!

وشيئاً فشيئا تحول الاتحاد إلى مؤسسة هامشية غير فاعلة، ونأى الكتاب عنها أو على الأقل أحبطهم أداؤها، وراح كثيرون يبحثون عن منابر عربية أو خليجية تعوض لهم مساحة الحوار وتسد الثغرة المالية ، وقد وقع بعض هؤلاء في أسر تلك المنابر.

وأخطر ما حصل هو تراجع دور المثقف والكاتب السوري في صياغة المشروع الثقافي للأمة، والذي يعتبر حكما أحد أعمدة المجتمع الحضارية، واندفاع الفنان لتأدية دور مشوه غذاه الجميع فأضر في الوقت نفسه الذي أشعرنا بالازدهار .

وهنا نتحمل جميعا المسؤولية، وعلينا توجيه نقد ذاتي جرئ لأدائنا، وخاصة أن المرحلة التي تتطلبها نتائج الحرب التي عاشتها البلاد تحتاج إلى عقل ثقافي جماعي يبحث عن الإبداع ويبنى على الحوار والنقد الذاتي لأدائنا نحن من ندعي الثقافة والأدب أو على الأقل من ننتمي لاتحاد الكتاب ونعتبر أنفسنا طليعة ترسم أفق التنوير الاجتماعي والثقافي.

تتطلب المرحلة الحالية خطوة شجاعة لإعادة صياغة المشروع الثقافي الوطني الذي يجمع ويؤطر الكتاب السوريين ويحصنهم في أدائهم اليومي (الذي ينبغي أن يكون فاعلا ومؤثراً ومبدعاً)، وقد طـُرحت الفكرة، ويجري العمل بشأنها، في أجواء الذكرى الخمسين لتأسيس الاتحاد، وجاء مشروع الاستثمار في الثقافة، الذي طرحته القيادة السياسية ليشجع على خلق أجواء صحية لصياغة هذا المشروع، ومن هنا أحاول تقديم الأفكار العملية التي يمكن أن نأخذها جميعا بعين الاعتبار عند الشروع بالحوار حول مايجب أن نتبناه !

وسأبدأ بأهم النقاط التي أعتقد أنها تؤسس لمشروع ثقافي ناهض، ثم سأخصص مساحة لكل نقطة في حلقة قادمة :

أولا : الاتفاق على الهوية الثقافية الوطنية ، ومنهجية العمل للدفاع عنها .

ثانيا : ضرورة الحوار وبناء أدوات ومنابر خاصة به تسبق صياغة المشروع.

ثالثا: طرح مشروع جدي لتحسين علاقة الإعلام بالاتحاد باعتبار الإعلام وسيلة ثقافية كبرى.

رابعا: البحث عن استثمار البنى التحتية الثقافية الضخمة في سورية وكسر جمودها الثلجي القاتل.

خامسا: دراسة منهجيات العمل الإداري والإعلامي والمالي ومايحتاجه في بنية الاتحاد نفسها.

وغير ذلك من أفكار .

 

 ( يتبع الحلقة الثانية  )

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى