هل تزامُن حظر ألمانيا لـ”حزب الله” واتّهامه بالإرهاب مع تكثيف الهجمات الإسرائيليّة على أهدافٍ سوريّةٍ وإيرانيّةٍ وبمُعدّل غارة كُل يومين جاء صُدفةً؟
لم يَكُن مُفاجئًا بالنّسبة إلينا أن يتزامن القرار الألمانيّ بوضع “حزب الله” على قائمة الإرهاب وتجريم أيّ تأييد له، مع توسيع دائرة الهجَمات والغارات الصاروخيّة الإسرائيليّة على أهدافٍ في العُمق السوريّ تشمل قواعد ومراكز أبحاث عسكريّة ومخازن أسلحة. القرار الألماني الذي جاء بعد ضُغوط أمريكيّة وإسرائيليّة مُكثّفة يأتي في إطارِ خطّةٍ لزيادة الضّغوط على إيران، والفصائل والأحزاب التّابعة لها في سورية والعِراق ولبنان واليمن،خاصّةً في ظِل التوتّر المُتصاعِد حاليًّا في مِنطقة الخليج، ونجاح إيران في وضع قمر صناعي عسكري في المدار الأرضي من خِلال صاروخٍ باليستيٍّ على ارتِفاع 442 كيلومترًا سيكون قادرًا على رصد كُل التحرّكات العسكريّة الأمريكيّة والإسرائيليّة في أيّ مكانٍ في الشّرق الأوسط.
ذرائع هذا القرار الألماني، وخاصّةً تلك التي تقول إنّ الحزب كان يُخَطِّط لهجماتٍ “إرهابيّةٍ” انطِلاقًا من الأرض الألمانيّة غير مُقنِعة على الإطلاق، فالحزب كان على علاقةِ صداقةٍ قويّةٍ مع ألمانيا التي قَبِل بها وسيطًا أثناء مُفاوضات تبادل الأسرى مع دولة الاحتِلال، مُضافًا إلى ذلك أنّه لم يُقدِم على أيّ عملٍ في أوروبا أو غيرها ضِدّ الاحتِلال الإسرائيلي، ومِن المُؤكّد أنّ القرار أمريكيّ إسرائيليّ وليس ألمانيًّا بنُسخته الأصليّة.
الاستراتيجيّة الأمريكيّة في خلقِ حالةٍ من الفوضى والانهِيار الاقتصاديّ في لبنان، بِما يُؤدِّي إلى “ثورةٍ” ضِدّ “حزب الله” تتطوّر إلى حربٍ أهليّةٍ لإضعافِه، وربّما نزع أسلحته، بقِيادة أحزاب وميليشيّات يمينيّة فشِلَت فشلًا ذريعا بمَلئ الفراغ الوزاريّ وتشكيل حُكومة برئاسة حسان دياب، ولهذا تُحاول الولايات المتحدة وإسرائيل إعلان حربٍ على إيران وحزب الله في لبنان، وفي مُختلف أنحاء العالم، ولا نَستبعِد أن تُقدِم دول أوروبيّة على الخُطوة الألمانيّة نفسها وتُلصِق تُهمَة الإرهاب بالحزب، وتضطّهد أنصاره، والمُتعاطفين مع مواقفه في مُقاومة الاحتِلال.
من الواضح، ومِن خلال تكثيف الهجَمات العُدوانيّة الإسرائيليّة على شرق سورية وشِمالها، وآخِرها في حلب ودير الزور مساء الاثنين تأتِي في إطار مشروعٍ دمويٍّ إسرائيليٍّ مدعومٍ أمريكيًّا يستغلّ حالة الانشِغال العالميّ بفيروس كورونا ويهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف:
الأوّل: إجبار إيران على سحب جميع قوّاتها ومُستشاريها العسكريين وفصائِلها من سورية تقليصًا للخسائر.
الثّاني: الاستِمرار في هذا العُدوان الاستفزازيّ وتوسيع دائرة أهدافه لإجبار إيران أو سورية أو “حزب الله” على الرّد بالمِثل في العُمق الإسرائيليّ أو في أماكنٍ أُخرى من العالم، ممّا يُوفِّر الذّريعة لشَن الهُجوم الأمريكيّ المُوسَّع المُنتَظر على إيران وسورية ولبنان.
الثّالث: بَذر بُذور الفِتنة بين سورية وإيران ومُطالبة الأولى للثّانية لسحب قوّاتها ومُستشاريها والفصائل التّابعة لها المُتواجدة على الأراضي السوريّة رُضوخًا للضّغوط المُتصاعدة من أكثر من طرف، خاصّةً مِن روسيا إلى جانب الولايات المتحدة ودولة الاحتِلال الإسرائيليّ.
اللّافت أنّ هُجوم ليل الاثنين الماضي الإسرائيلي على مخازن أسلحة وذخيرة ومركز أبحاث في حلب، هو الخامس في أقل من أسبوعين، ومن غير المُستَبعد أن يُصبِح يَوميًّا، أو أكثر من مرّةٍ في اليوم وفي أكثر مِن مكانٍ سَعيًا لتَحقيق الأهداف المذكورة آنِفًا.
لا نعتقد أنّ هذه الاستراتيجيّة الإسرائيليّة الأمريكيّة ستُحقِّق أيّ من أهدافها، فالتّحالف الإيراني السوري أقوى وأصلب من أن تُؤثِّر فيه مِثل هذا الغارات أوّلًا، والقِيادة السوريّة التي رفضت عُروضًا عربيّةً نِفطيّةً بعشرات المِليارات من الدولارات لفك هذا التّحالف قبل إشعال فتيل الحرب ضدّها سترضخ للضّغوط الحاليّة بعد استِعادة جيشها لأكثر من ثمانين في المِئة مِن الأراضي السوريّة ثانيًا، أمّا الرّد سيأتي حتمًا في المُستقبل المنظور، فمَن ردَّ على أمريكا وأسقط طائرتها المُسيّرة “غلوبال هوك” فوق مضيق هرمز، وقصف قاعدة عين الأسد الأمريكيّة كردٍّ على جريمة اغتِيال اللواء قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس، لن يتردَّد في الرّد على هذه الغارات الإسرائيليّة بالأصالة أو بالإنابة، تمامًا مِثلَما كان الرّد الصاروخيّ في العُمق السعوديّ (بقيق وأبها ونجران وجيزان) أو إعطاب عدّة ناقلات نفطيّة في بحر عُمان.
لا نعتقد أنّه من الحِكمَة الوقوع في المِصيَدة الأمريكيّة الإسرائيليّة والرّد على هذهِ الهجمات الاستفزازيّة في وقتٍ يعيش فيه العِراق فراغًا حُكوميًّا، وتنشغل إيران بكيفيّة مُواجهة فيروس كورونا وأخطاره الاقتصاديّة، وتُواجه سورية تَدخُّلًا عسكريًّا تركيًّا مدعومًا بجماعات مُتطرّفة مُصنّفة إرهابيًّا في إدلب، وآخَر أمريكيّ في شرق الفُرات حيث مخزون النّفط والغاز السوريّ.
المُواجهة الكُبرى قادمةٌ حتمًا، والمسألة مسألة وقت وتوقيت، سواءً انطلقت شرارتها في الخليج، أو مِن العِراق أو سورية، وستدفع أمريكا وإسرائيل ثمنها باهِظًا جدًّا، والزّمن يتغيّر بسُرعةٍ، وسلاح النّفط وأمواله بدأ يفقد مفعوله وتأثيره في المِنطقة لصالح صُعود القِوى التقليديّة التاريخيّة في الشّرق الأوسط والاتّحاد المغاربي، ومن يضحَك أخيرًا يضحَك كثيرًا.. والأيّام بيننا.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية