حرب جويّة وشيكة بين روسيا وتركيا في الغرب الليبي
الانتِصارات الميدانيّة التي حقّقتها قوّات حُكومة الوفاق المدعومة بشكلٍ مُباشرٍ من تركيا وأكثر من عشرة آلاف مُقاتل أصولي في السّاحل الغربي الليبي، لم تَكُن ضدّ قوّات الجنرال خليفة حفتر وإنّما ضدّ داعميه وخاصّةً روسيا، الأمر الذي قد يدفع الأخيرة لإلقاء المزيد من ثقلها وعتادها العسكريّ في هذه الحرب للثّأر لهذه الجريمة.
نشرح أكثر ونقول إنّ سيطرة قوّات حُكومة الوفاق التي انبثقت عن مُؤتمر الصخيرات المدعوم أُمميًّا على قاعدة “الوطية” الجويّة، ونجاح الطّائرات المسيّرة التركيّة من طراز بيرقدار في تدمير منظومات صواريخ “بانستير” الروسيّة، التي كانت تحميها، أحدث صدمةً في أوساط القِيادتين السياسيّة والعسكريّة الروسيّة لأنّها شكّلت إهانةً للصّناعة الحربيّة الروسيّة، وأظهرت نقاط ضعفها وخُروجها من المُنافسة.
التّصريحات التي أدلى بها اللواء أحمد المسماري، النّاطق باسم الجيش الوطني الليبي التّابع للجنرال حفتر وقال فيها إنّ الفِرَق الفنيّة تمكّنت من صِيانة وإصلاح 4 طائرات مُقاتلة ليبيّة سوفيتيّة الصّنع وجرى إدخالها في الخدمة مُجدَّدًا، كانت “تضليليّةً” حسب رأي العديد من الخُبراء، والهدف منها التّغطية، وحرف الأنظار عن وصول ثماني طائرات روسيّة إلى قاعدة طبرق الجويّة شرق ليبيا، سِت منها من طِراز “ميغ 29” واثنَتان من طِراز “سوخوي 24” الحديثة.
الدّعم الجويّ الروسيّ لإنقاذ الجِنرال حفتر انطلق من قاعدة “حميميم” في شمال سورية، وستكون أبرز مهام هذه الطّائرات الروسيّة الاشتِراك في الحرب الجويّة الوشيكة، غير المُباشرة، بين روسيا وتركيا في الأجواء الليبيّة، ومُحاولةَ تدمير الدّفاعات الجويّة التركيّة في قاعدة “الوطية” تمهيدًا لهُجومٍ مُضادٍّ جديدٍ لإعادة سيطرة قوّات حفتر عليها، ومنع إقامة قاعدةٍ تركيّةٍ فيها.
الأزمة الليبيّة تنتقل إلى مرحلة جديدة اسمها “سورنة” ليبيا، وتحويلها إلى حربٍ بالإنابة بين روسيا وتركيا، على غِرار ما حدث، وسيحدث في ريف إدلب، لأنّ التّحالف الداعم للجِنرال حفتر يَضُم مِصر والإمارات وفرنسا والسعوديّة، إلى جانب روسيا، سيكون من الصّعب عليه القُبول بالهزيمة في طرابلس وغرب ليبيا لأنّه يعني خسارة الحرب بالتّالي، وكُل ما يتردّد هذه الأيّام من تسريباتٍ حول تخلّي بعض دول هذا الحِلف عن الجنرال حفتر، وخاصّةً مِصر والإمارات وفرنسا مُجرّد تضليلٍ مُتعمّد.
نحن أمام معركة “كسر عظم” قادمة ووشيكة على الأرض وفي الأجواء الليبيّة بين روسيا وتركيا، وسيلعب السّلاح الجوّي الدّور الأكبر فيها، وانسِحاب قوّات حفتر من بعض المواقع جنوب طرابلس مجرّد “تكتيك”، ومُحاولة لتقليص الخسائر وإعادة للتّموضع استِعدادًا للمعركة القادمة حسب خُبراء عسكريين.
السّؤال المطروح، ويبحث عن إجابةٍ، هو لمن تكون الغلَبَة في هذه الحرب الجويّة، وهل ستكون نتائجها حاسمةً في الأزمة الليبيّة؟
مِن الصّعب إعطاء أحكام قاطعة، ولكن ما يُمكِن التكهّن به، أنّ الرئيس رجب طيّب أردوغان وضع كُل بيضه العسكريّ في سلّة حُكومة الوفاق الليبيّة، وخسارته لهذه الحرب يعني انهِيار مشروعه الإسلامي العُثماني، وربّما خُروج حزبه من الحُكم، وانهِيار الخطط الاقتصاديّة التركيّة في أخذ حصّةً أكبر من مخزونات نفط وغاز شرق البحر المتوسط.. أمّا هزيمة الطّرف الآخر الدّاعم لحفتر فيعني انتصار كبير واستراتيجيّ للإسلام السياسيّ “الجهاديّ”، والمحور التركيّ القطريّ الإخواني، وقِيام دولة إسلاميّة بديلة تُعوّض الإطاحة بالحُكومة “الأُم” في مِصر.. وما علينا إلا انتِظار انقِشاع الغُبار.. غُبار هذه الحرب التي نتوقّع أن تطول.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية