قمح «الجزيرة» ممنوع على دمشق: هل تشارك «قسد» في الحصار؟

 

يتزامن اقتراب موعد تطبيق قانون «قيصر» الأميركي مع موعد تسويق القمح الذي تحتاجه إليه دمشق اليوم أكثر من أي وقت مضى، لتوفير أمنها الغذائي، وسدّ باب مهم من الصرف بالعملات الأجنبية. هذا التزامن شكّل تحدياً للحكومة، واختباراً لـ«الإدارة الذاتية» الكردية، من أجل الإجابة عن سؤال واضح: هل ستشارك القوى الكردية في حصار دمشق والشعب السوري؟ تبدو رؤية «الإدارة الذاتية» تجاه «قيصر» متذبذبة، فلا هي تعلن التزامها ولا رفضها. رؤية تشبه إلى حدّ بعيد السياسات العامة للإدارة الكردية منذ تأسيسها، القائمة على الحفاظ على علاقات مع غالبية الأطراف المعنيّة بالأزمة. في ما خصّ «قيصر»، تُظهر الإدارة الكردية رغبة في إظهار الالتزام على مبدأ التزام السياسات الأميركية العامة في سوريا، لكن مع الحفاظ على حبل التواصل مع الحكومة في الوقت عينه. ورغم بعض التصريحات الكردية الرافضة للعقوبات الجديدة، لأنها تؤثر في عموم الشعب، فإن آخرين من القيادات الكردية يرون أن الالتزام غير المباشر والعلني سيوفّر ضغطاً مطلوباً على دمشق لقبول «الإدارة الذاتية» كأمر واقع.

أحد محكّات اختبار النيات الكردية كان ملف القمح، إذ منعت «الذاتية» فجأة توريد القمح المزروع في مناطق شرق الفرات إلى المراكز الحكومية. لكن هذا القرار ليس حاسماً بالكامل أيضاً، وهذا يتوافق مع السياسة الكردية غير الحاسمة تجاه المشاركة في تطبيق «قيصر»، إذ استمرت الجهود الكردية في التواصل مع المسؤولين في دمشق لإيجاد آلية تتيح إيصال القمح إلى الحكومة، عبر بيعها إياه مباشرة أو عبر وسطاء، وفق مصادر تحدثت إليها «الأخبار». وقد أعلنت «الذاتية» المنع عبر قرارين اثنين يؤكد مضمونهما «منع تصدير أو إخراج القمح خارج حدود الإدارة الذاتية، والسماح للفلاحين بتوريد قمحهم إلى المراكز التابعة للإدارة الذاتية فقط، ضمن الحدود الجغرافية لكلّ إدارة حصراً». في هذا السياق، رأت مصادر مقرّبة من دمشق أن «قرار الإدارة محاولةٌ لإرضاء واشنطن، وتحقيق ربح اقتصادي، في آن معاً، عبر تسلّم أكبر كمية ممكنة من إنتاج القمح في مناطق سيطرتها، لبيعها لاحقاً لدمشق أو شمال العراق».

مع ذلك، أدّى تجنّب «الذاتية» تحديد سعر واضح، أو موعد محدّد لتسليم المحاصيل، إلى إحجام الفلاحين عن التسليم لمراكزها، بعكس مشهد الإقبال الواسع على المراكز الحكومية، الذي كان قبل منع «الأسايش» الفلاحين من الوصول إليها، التزاماً بالقرار الكردي. يقول رئيس «مجلس سوريا الديمقراطية»، رياض درار، لـ«الأخبار»، إن «منع الفلاحين من التسليم للمراكز الحكومية يهدف إلى منع النظام من الاستفادة من القمح»، مؤكداً أنهم «لن يجازفوا بالتعامل مع النظام، ولن يكونوا شركاء في أي مساعدة تقدم إليه تجعله يتنفس في ظل الحصار». هذه المواقف تحمل في طياتها التزاماً عملياً بالعقوبات على دمشق، في حين أنه من الواضح أن القيادات الكردية تخشى إعلان التزامها «قيصر» علناً.

من جهة أخرى، تتناقض مواقف رئيس هيئة الزراعة في «الذاتية»، سلمان بارودو، مع تصريحات درار، إذ قال الأول إن الإدارة «ترفض قانون قيصر، لكون مناطقها ستتأثر قبل دمشق بتبعات تطبيقه»، معتبراً أن «فكرة استثناء مناطق الإدارة من القانون ليست إلا بروباغندا إعلامية». يؤكد بارودو أن «مشكلة توقف الشاحنات على حواجز الأسايش هي نتيجة اشتراط الذاتية الحصول على شهادة منشأ من دوائرها الزراعية حصراً، وهو قرار صدر منذ ما قبل بدء موسم تسويق محاصيل القمح»، مشيراً إلى أن قرار «الذاتية» ليس نهائياً، لأنه «الآن ممنوع وصول الشاحنات إلى المراكز الحكومية، لكن غداً لا نعلم، قد يكون هناك شيء جديد».

في غضون ذلك، أكد المدير العام لـ«السورية للحبوب»، يوسف قاسم، أن «هناك عدداً كبيراً من الشاحنات المتوقفة على حواجز مجموعات قسد في الحسكة، ممنوعة من العبور باتجاه مراكزنا، ما سيؤثر في إجمالي المشتريات في المؤسسة، ويضرّ بالفلاحين والمنتجين». ونقلت مواقع محلية عن قاسم أن «كلما زاد رقم الشراء، انخفضت فاتورة الاستيراد». وفي حال أبدت «الذاتية» إصراراً على منع وصول القمح إلى المراكز الحكومية، تشير التوقعات إلى أن موسم هذا العام لن يتجاوز ربع الكمية المتوقعة التي تقارب وفق التقديرات الحكومية مليونَي طن.

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى