أوكسجين للصحافة الورقية في سورية!
خاص باب الشرق
أيهما أبقى الصحافة الورقية أم الصحافة الالكترونية .. سؤال دخل حلبة السجال منذ فترة ليست بقليلة.. والانقسام واضح لا ريب فيه ولا شك.. فريق يجزم أن الورق إلى زوال، وفريق ثان يدحض ويؤكد أن الالكتروني بدون الورقي كم يصفق بيد واحدة.. فهل يبدو المشهد هكذا فعلاً.. ضربة ملاكم ترد بضربة مضادة..
أذكر أنه في الثاني والعشرين من شهر آذار الماضي، توقف نبض الصحافة الورقية دون إعلان نبأ وفاتها بشكل رسمي، والابقاء عليها “حيّة” بتنفس اصطناعي “الكتروني” والسؤال هنا: هل البديل الالكتروني سد فراغ الورقي ؟ أم كان مكملاً فقط؟ أم اكتفى بالضروري فقط؟
هذا الضروري يشبه كثيرا حال الضرورة التي فرضت توقف الورق.. ومعه توقف نبض “عشاق” قراءة الجرائد. رائحة الورق عندهم تضاهي أذكى البارفانات الفرنسية وربما أفخم أنواع الشوكولا.. مبرر هؤلاء العشاق أن ملمس الورق له احساس فريد، وأن لا طعم لقهوة الصباح دونما تصفح جريدة تجلب العالم كله إلى راحتي يديك ببضع دقائق فقط.. وجبات مختلفة، السياسة حاضرة ومحركها الاقتصاد أيضا.. الثقافة والفن وكذلك الرياضة ، المنوعات على تنوعها موجودة.. في الجريدة لا تسأل عن شيء ويقال لك غير متوفر إلا ما ندر.. هي كريمة وراحتا يديها مبسوطتان كل البسط.. هنا لا خلاف أن الوجبات على اختلاف تلاوينها لا تكون بمستوى واحد أو حتى جيد.. الأمر باعتقادي طبيعي.. لكن السؤال هنا قبل توقف إصدار الورقي، كيف كانت مبيعات الصحف؟ وهل الإيرادات كافية ؟ أم كانت كما العين التي تقاوم الرمد؟؟؟
الرافعون لشعار نعم للصحافة الورقية يدللون على أحقية دفاعهم، أن الورق لا يموت، ويقولون تجربة موقع “ويكليكس” احد أشهر المواقع الالكترونية العالمية دليل على أن الصحافة الورقية ما زالت مؤثرة ومؤثرة جدا، فرغم كل ما يقال عن سطوة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، استعان صاحب الموقع جوليان أسانج بالصحف المطبوعة لنشر ما بحوزته من وثائق وبشكل ورقي، وقد احدث هذا النشر ضجة كبرى وقتها في دلالة واضحة أن الصحافة الرقمية لن تكون بديلا عن الصحافة الورقية في المستقبل المنظور على الأقل، وان الوقت ما يزال مبكرا للحديث عن اختفاء الصحف المطبوعة قريبا.
شهران وأيام معدودات، والحال لم يتغير.. الورقي ميت سريرياً، والمهام موكلة الى الالكتروني، والمهللون لهذا النوع من الإعلام يبررون أن التغييرات الجذرية في عادات القراءة وأذواق الأجيال الجديدة، التي تتوجه بقوة صوب الصحافة الالكترونية يجب أخذها على محمل الجد، إذ الكثير من القراء، الذين كانوا يواظبون على قراءة صحفهم المفضلة على شرفات المنازل أو في المقاهي أو أو أو ، تحولوا إلى استخدام شبكة الإنترنت لمتابعة الأخبار اليومية ومعرفة أحدث المعلومات من مصادر متعددة، وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات.
هم يحاولون القول صراحة إن الجيل الجديد في عالم اليوم يريد الحصول على الأخبار بسرعة، كما يأكل في مطاعم “الفاست فوود”. ولم يعودوا بحاجة الى “وجبة دايت” هذا التحول في عادات القراءة يشكل جوهر الأزمة التي تعاني منها الصحافة الورقية ليس في سورية بل في العالم.
ليطرح السؤال هنا .. ماذا حقق الإعلام الرقمي؟ هل ما قدمه ساعده لفرض نفسه بديلاً قوياً لا شائبة له وعليه؟ نتحدث عنها عن “المربع السوري” تشرين والثورة والبعث والوطن، ثلاثة صحف رسمية ورابعة تتكلم بلسان الخاص.. كم قارئ أو (لايك) انتزعت من جمهورها الافتراضي؟ كم تعليق دونت على صفحاتهم الالكترونية وكم مشاركة حصدت لمنشورات كل منها.. مفردة أكانت أم مجتمعة ؟
صحيح ان تصفح الصحف الالكترونية أقل تكلفة، والوصول إليها أسهل بكثير من الصحف الورقية. بإمكانك أن تتصفح ما تشاء من صحف العالم سواء كنت في بيتك أو في مكان عملك أو أي مكان آخر تتوفر فيه خدمة الإنترنت، غير أن الصحافة الالكترونية تفتقر إلى الديمومة التي تنفرد بها المطبوعات الورقية ، فضلا عن أنه مع صعود الرقمي خلال العقد الأخير، بدأت بعضها في إغلاق أبوابها أو اعتمادها بشكل شبه كامل على استنساخ الأخبار من الصحافة التقليدية إذ جاز التعبير.
حتى كتابة هذه السطور، لا قرار بجرعات أوكسجين تعيد الروح للصحافة الورقية في سورية.. المتسيد هو الالكتروني!!! ومجمل القول.. لم ينته بعد زمن الصحف الورقية في العصر الحاضر ولن يحرر نبأ وفاتها بعد كما يزعم المتشائمون، ولكن كلمة حق تقال وهي أنه على الصحف في سورية تأهيل نفسها، كي تنافس وتحافظ على مساحتها دون تقليص أو تقزيم لها، سيما مع وجود منافس يحاول جاهدا فرض نفسه كنافذة اعلامية في العصر الرقمي.. ثمة مفارقة بالغة الدلالة على حيوية الصحف الورقية وهي أن كثيراً من الصحف التي بدأت بداية إلكترونية فقط، توجهت بعد ذلك إلى الطباعة الورقية، ويبدو ان العلاقة المتبادلة بين الوسيلتين الورقية والرقمية ماضية إلى مزيد من التكامل رغم المنافسة الشديدة القائمة حاليا بينهما… ولبلورة هذه العلاقة .. نسأل متى يستفيق الورق من سباته المفروض قسرا ؟؟؟
باب الشرق