هل ينسف بايدن ما حققه ترامب في الشرق الأوسط؟
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية يوم الثلاثاء القادم، 3 تشرين الثاني/نوفمبر، يواصل دونالد ترامب الضغط على المزيد من الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. فبعد أن استضاف اتفاق إقامة العلاقات بين إسرائيل ودولتين خليجيتين في أيلول/سبتمبر الماضي، أعلن ترامب في أواخر الأسبوع الماضي أن السودان قرر تطبيع علاقاته مع إسرائيل، مضيفا أن دولا عربية أخرى ستتبع الخرطوم قريبا.
ولكن ما الذي سيحصل لجهود الضغط على الدول العربية إذا ما خسر ترامب الانتخابات الأميركية الأسبوع القادم لصالح منافسه الديمقراطي جو بايدن؟ وهل سيلغي بايدن إذا ما أصبح رئيسا كل ما قام به ترامب في الشرق الأوسط خلال سنواته الأربع الماضية؟ من سيكون بحاجة من إذا ما فاز بايدن في الانتخابات، الشرق الأوسط أم الولايات المتحدة بقيادة بايدن؟
الكثير من المراقبين يعتقدون أنه إذا فاز بايدن بالبيت الأبيض الشهر المقبل، كما تتوقع استطلاعات الرأي، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيكون أكبر الخاسرين من أفول نجم ترامب في السياسة الأميركية والعالمية. والحقيقة هي أنه لم يستفد أي زعيم عالمي أكثر من نتنياهو من رئاسة دونالد ترامب، الذي تخلى عن اتفاق باراك أوباما النووي مع إيران، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل وأوقف المساعدات الأميركية عن الفلسطينيين وأغلق مكتب السلطة الفلسطينية في واشنطن، وأخيرا ركز كل جهود إدارته على مساعدة إسرائيل على تطبيع العلاقات مع ثلاث دول عربية – وهي سياسات عززت اليمين الإسرائيلي.
الحكمة التقليدية في واشنطن، وبناء على تصريحات مرشح الرئاسة الديمقراطي بايدن، هي أن الأخير سيتبع سياسة مختلفة في الشرق الأوسط عن تحركات ترامب (لا أستطيع أن أسمي ما قام به ترامب في الأربع سنوات الماضي بـ “سياسة”؛ بل هي مجموعة من النزوات الشخصية المتمحورة حوله وحول تحقيق إنجازات تعود عليه شخصيا بالمنفعة السياسية والمالية أصلا). وللكنه أيضا لن يغير كل شيء قام به ترامب خصوصا لناحية القضية الفلسطينية.
سيبدأ بايدن عهده الرئاسي في ملف الشؤون الخارجية بإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته إدارة أوباما-بايدن في العام 2015، وهو ما سيكون مصدر انزعاج كبير لكل من حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية في إسرائيل وعدد من الدول العربية. ويقول بعض المحللين السياسيين الأميركيين إن بايدن وعد بإجراء تدقيق أكثر صرامة في سجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية وحربها في اليمن، مما قد يحد أيضًا من نفوذه لدى المملكة، خصوصا لناحية الضغط عليها للتطبيع مع إسرائيل.
هذه العوامل لا تعني بالضرورة أن عملية التطبيع ستتوقف: ويعتقد بعض المحللين أن تحركات واشنطن بشأن إيران بقيادة بايدن التي تعارضها إسرائيل ودول الخليج قد تدفع هذه الدول للعمل بشكل أوثق، على الأقل وراء الكواليس.
ترامب، ومنذ أيام ولايته الأولى، سارع الى الابتعاد الجذري عن 50 سنة من السياسة الأميركية التقليدية من خلال اتباع ما وصفه بعض المحللين بأنه “نهج خارجي – داخلي لسلام الشرق الأوسط.” فبدلاً من مضاعفة الجهود لنزع فتيل المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية، أعطت إدارة ترامب الأولوية لدعم سياسات حكومة إسرائيل اليمينية ومحاولات تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية. ويتفق المراقبون على أن من الواضح أن قيام ترامب بالضغط على بعض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل كانت مناورة في عام انتخابي قُصد منها بالأساس تحقيق رغبات حكومة إسرائيل اليمينية للفوز بتأييد اليمينيين الدينيين (الإنجيليين) الأميركيين في الانتخابات المقبلة، وليس في إطار عمل مدروس لتحقيق أهداف الأمن القومي الأميركي. ويعتقد بعض المحللين أن من غير الواضح إلى أي مدى سيواصل ترامب هذه السياسة بقوة في فترة ولاية ثانية، بعد أن تنتفي حاجته الانتخابية إليها بعد الانتخابات.
ويقول مستشارو بايدن إن رئاسة بايدن ستعود إلى المبادئ التي وجهت النهج الأميركي تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قبل أن يتولى ترامب منصبه. ويشمل ذلك دعم حل الدولتين وفقًا للمعايير المقبولة دوليًا ومعارضة أي جهود إسرائيلية لضم الأراضي وبناء المستوطنات.
وفي حين أن بايدن سيعمل على استعادة النهج التقليدي في السياسة الخارجية الأميركية إلى الشرق الأوسط، فإنه قال صراحة أيضا إنه لن يعكس قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل. ومع الحفاظ على دعم قوي لإسرائيل – وهو سمة لكل الإدارات الأميركية السابقة، الديمقراطية والجهورية، فإنه سيسعى أيضًا إلى إعادة بناء العلاقات مع الفلسطينيين. ومن المرجح أن يشمل ذلك إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية التي كانت لفترة طويلة وسيلة للتواصل مع المجتمع الفلسطيني واستعادة الكثير من المساعدات للفلسطينيين التي قطعها ترامب.
ورغم الإعلان عن تطبيع علاقات إسرائيل مع الإمارات والبحرين والسودان خلال الفترة القصيرة الماضية، فإن المملكة العربية السعودية و17 عضوًا آخر في جامعة الدول العربية لا تزال تتحفظ على إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع الحكومة الإسرائيلية. وحيث أنه لم يتبق أمام هذه الإدارة سوى أسبوع، فإنها لا تزال تسعى لإبرام صفقات أخرى من هذا القبيل قبل انتخابات الأسبوع المقبل. لكن مسؤولين وخبراء يقولون إن من المتوقع للمملكة العربية السعودية ذات الثقل الإقليمي، والتي تتحدى تركيا لقيادة العالم الإسلامي ولديها جمهور كبير من المحافظين في الداخل، تتحرك بحذر حيال ملف التطبيع مع إسرائيل. ويضيف المحللون إن أي تحرك من هذا القبيل سيظل غير مرجح بينما ظل الملك سلمان متربعا على عرش المملكة.
إيران
على صعيد العلاقة مع إيران، سارع ترامب بعد توليه السلطة في مطلع العام 2017 إلى الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وفرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران على أمل إبرام اتفاق أكثر صرامة من شأنه منع طهران من تخصيب اليورانيوم وإنهاء دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة. ولكن كل محاولات ترامب التأثير في القرار الإيراني وإنجاز اتفاق نووي أكثر محاباة للولايات المتحدة مع إيران لم تسفر عن أية نتيجة. بل الحقيقة هي أن إيران زادت إمداداتها من اليورانيوم المخصب ردا على ذلك، وواصلت توسيع برنامجها لصواريخها البعيدة المدى، كما واصلت سياساتها التوسعية في المنطقة العربية. ولعل الأخطر من كل ذلك هو أن طهران – عبر حلفائها في المنطقة – أصبحت تهدد الأمن القومي للسعودية عن طريق الهجمات المباشرة بالطائرات المسيرة والصواريخ لعدة مواقع حساسة في السعودية لعل أهمها أرامكو.
بايدن قال أكثر من مرة إنه سيعود إلى اتفاقية 2015 إذا عادت إيران إلى الالتزام ببنودها، وسيحاول بعد ذلك التفاوض على قيود أطول أجلاً وأكثر صرامة على برنامج طهران النووي. لم يُفصّل بايدن أهدافه لاتفاق المتابعة هذا ولم يذكر كيف يخطط لإقناع إيران بالمضي قدمًا.
علاوة على ذلك، لن يسعى بايدن إلى إحياء الاتفاق النووي ببساطة، والذي انتقده الجمهوريون وإسرائيل وبعض الدول العربية ووصفوه بأنه “صفقة سيئة”. وقال مسؤول سابق في السياسة الخارجية الأميركية يعمل مستشارًا لحملة بايدن إن العودة إلى الاتفاقية ستكون “محطة على الطريق” على طريق اتفاقية نووية طويلة الأجل صارمة وتغطي مجموعة واسعة من القضايا. سيسعى بايدن إلى تضمين قيود على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني في صفقة جديدة ومعالجة مشاركة طهران الإقليمية في لبنان وسوريا.
إضافة إلى ذلك، من المرجح أن يعود بعض صانعي السياسة الخارجية من حقبة أوباما الذين ما زالوا يشعرون بالغضب حيال توغلات نتنياهو في السياسة الداخلية الأميركية، خصوصا حين حاول نتنياهو القفز على إدارة أوباما والتواصل مباشرة مع الكونغرس لمنع الكونغرس من تأييد الاتفاق النووي الذي وقعه أوباما مع خمس دول كبرى مع إيران في العام 2015. وقد تكون النتيجة نوعًا من التوتر المتأجج بين إسرائيل والولايات المتحدة مذكرا بسنوات أوباما.
ويجدر التنبيه هنا إلى أن عودة بايدن إلى صوغ علاقة من نوع ما مع إيران واستعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران، وعودته إلى النهج التقليدي للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، سيكون مصدر قلق شديد بالنسبة إلى إسرائيل وبعض الدول العربية. وسيكون على كل هذه الدول، والحال هذه أن تعمل على التكيف مع هذا الواقع الجديد وأن تتعلم من جديد التعامل مع إدارة أميركية هي الأقرب من إدارة أوباما. الولايات المتحدة لم تعد بحاجة ماسة إلى الشرق الأوسط كما كان الحال في حقبة الحرب الباردة، ولكن الشرق الأوسط بكل دوله، حتى إسرائيل، ستكون بحاجة إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم. سيكون على هذه الدول أن تتكيف مع هذا الواقع الجديد.
خمس جوم