لماذا قد تخرج تركيا وايران الرابح الأكبر من هزيمة ترامب والفوضى الامريكية المتوقعة؟

 

ادق توصيف لوضع الرئيس دونالد ترامب الراهن هو الذي يشبهه بالصبي البلطجي، الذي يهدد اقرانه “اما ان أكون الكابتن والا فانني سأخرب اللعبة”، ويبدو انه نجح في وضع بلاده أمريكا على طريق الخراب فعلا، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، فالشرخ الراسي المتفاقم في الاتساع حاليا، بات يصعب على أي رئيس امريكي علاجه او تجسيره، فقد اتسع الخرق على الراقع.

معظم الانباء تتحدث عن تقدم المرشح الديمقراطي جو بادين في الولايات المتأرجحة، وان حصوله على 270 نقطة المطلوبة للفوز باتت مسألة وقت فقط، حتى ان خصمه الرئيس ترامب اعترف بالهزيمة في المؤتمر الصحافي الذي عقده عندما اعلن انه فاز، وان هذا الفوز “سُرق منه” وتمسك بنظرية “التزوير” غير المثبتة مما دفع العديد من محطات التلفزة بما فيها “فوكس نيوز” المحببة اليه الى الانسحاب من تغطية مؤتمره الصحافي لعدم تحملها اكاذيبة وارتكاب خطيئة بثها احتراما لمصداقيتها امام جمهورها.

الرئيس ترامب الذي اقسم على احترام الدستور والحفاظ على امن أمريكا واستقرارها دمر النموذج الديمقراطي الأمريكي في اقل من اربع سنوات، وانعكس هذا بكل وضوح من خلال متابعة نتائج الانتخابات الحالية الصادمة، التي اثبتت عمليا انقسام أمريكا الى معسكرين متقاتلين، وكل معسكر يؤمن انه الفائز، ويريد الغاء الآخر، واللجوء الى السلاح اذا اقتضى الامر للحفاظ على هذا الفوز، فانهيار القوى العظمى يبدأ داخليا، وكل عناصر هذا الانهيار وابرزها تفكك اللحمة الوطنية الامريكية.

الانقسام لن يكون مقتصرا على الأيديولوجيا السياسية او الحزبية، وانما سيكون اعمق من ذلك في الحالة الامريكية، حيث امتد الى النسيج الاجتماعي، والمؤسسات الدستورية، فنحن امام “دولتين” مفترضتين ومتواجهتين، أيا كانت نتيجة الانتخابات، الأولى تضم البيت الأبيض ومجلس النواب، برئاسة بايدن، والثانية مجلس الشيوخ والمحكمة العليا بزعامة ترامب، وتظل هناك العديد من علامات الاستفهام حول المؤسستين العسكرية والأمنية، رغم تردد انباء عن عدم رضا المؤسسة العسكرية عن تصرفات الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته.

ترامب، ومنذ فوزه في انتخابات عام 2016 كان يعتبر نفسه حاكما لنصف أمريكا، والنصف الأبيض منه على وجه التحديد، ولم يخف عنصريته وعداءه لسلفه باراك أوباما بسبب اصوله الافريقية، وكل المهاجرين غير البيض، ولا نستبعد ان يقود حزبا جديدا “احمر” يطالب بإنفصال الولايات ذات الأغلبية البيضاء وتأسيس دولة قد تحمل اسم “المؤسسة الترامبية”، اذا سارت الأمور وفق اهوائه، والتحشيد والتعبئة الشعبية الراهنة على وسائط التواصل الاجتماعي توحي بهذا التوجه.

جو بايدن الرئيس “شبه المؤكد” لا يملك “الكاريزما” التي تؤهله لمواجهة هذه النزعة الانفصالية، وتوحيد أمريكا خلفه، كما ان الكونغرس الذي سيكون مكلفا بحكم الدستور بانتخاب “رئيس”، في حال وصلت الانتخابات الى طريق مسدود، وتعذر الحسم عبر صناديق الاقتراع، فان تدخله لن يحل الازمة، وإنقاذ الديمقراطية الامريكية من الانهيار بالتالي، فلا احد يستطيع ان يتنبأ بتطورات الأشهر المقبلة ومفاجآتها في ظل بروز الميليشيات المسلحة، وحالة الاحتقان الداخلي التي تتضخم يوما بعد يوم، وتنتظر المفجر.

العالم كله يلتقط أنفاسه، ويضع يده على قلبه قلقا ورعبا، وخاصة القارة الأوروبية التي توجت أمريكا زعيمة لما يسمى بالعالم الحر، في ظل صعود قوى عظمى غير ديمقراطية، وغير غربية، (الصين وروسيا) وتقدم احتمالات الفوضى وربما الحرب الاهلية على ما عداها، من احتمالات الامن والاستقرار في دولة تملك الاقتصاد الأكبر في العالم مدعوما بترسانة تضم آلاف الرؤوس النووية.

بالنسبة الينا كعرب وسكان منطقة الشرق الأوسط تحديدا سنكون الأكثر تضررا، وايا كانت نتائج هذه الازمة الامريكية، سواء كان البعض منا، الذي راهن على الرئيس ترامب ووضع مئات المليارات في سلته، وخضع لجميع املاءاته، طمعا في حمايته، او الجناح الآخر الذي يعتقد ان بايدن سيحمل له البلسم الشافي، واتباع سياسات نقيضة لإدارة ترامب، فالسفارة الامريكية ستظل في القدس المحتلة، وصفقة القرن سيتم إعادة تدويرها او صياغتها، والتطبيع سيترسخ، وسياسات الحلب المالي ستستمر، وربما ستصبح اكثر شراسة، فبايدن صاحب نظرية تقسيم العراق وسورية وقيام دولة كردية مستقلة.

الجانب الوحيد “الإيجابي” الوحيد الذي يمكن ان يتبلور من وسط دمار هذه الفوضى المتوقعة، او المفترضة، ان هذه القوة الامريكية التي قتلت الملايين من العرب، في العراق وسورية وليبيا واليمن والمسلمين في أفغانستان وايران، ربما تنشغل عنا بأزماتها وحروبها الداخلية، لفترة من الزمن، نأمل ان تطول؟

المشروعان الإيراني والتركي المسلمان، وغير العربيين، ربما يزدادان قوة ونهوضا في ظل هذا الانكفاء الأمريكي المتوقع، بسبب قدراتهما الذاتية الضخمة اقتصاديا وعسكريا، وعلاقاتهما الوثيقة مع القوتين العالميتين العظميين الصاعدين، أي الصين وروسيا، خاصة اذا عاد بايدن الى الاتفاق النووي الإيراني، ورفع العقوبات عن ايران، وهذا غير مستبعد، وقد يكون حال العرب في المرحلة المقبلة مثل حالهم في مرحلة ما قبل، وبعد، الحرب العالمية الأولى، أي الاستعمار والنهب والتقطيع والاذلال والتبعية.

عصر النفط العربي يوشك على الوصول الى محطته الأخيرة، بعد ان دمر كل مشاريع الوحدة والنهوض الإسلامي والقومي العربي في المنطقة، وأخيرا بالتطبيع مع دولة الاحتلال، ودون حتى تأسيس بنى تحتية اقتصادية وعسكرية ذاتية قوية، وتوفير لقمة خبز كريمة للأجيال القادمة.

في اربع سنوات طارت طيور ترامب بحوالي تريليون دولار من ارزاق العرب، مقابل صفقات أسلحة منزوعة الدسم ثبت فشلها في اول اختبار لها في اليمن، وحماية وهمية، ومن المؤلم انه ما زال هناك من يراهن على ترامب ويتحسر على أيامه، ويبكي لفراقه الوشيك، ويستعد لتكرار الخطأ نفسه بالرهان على دولة الاحتلال الإسرائيلي التي قد تكون بحاجة الى حماية في حال انهيار المعجزة الامريكية.. عجل الله بها.. والله اعلم.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى