غياب دولي عن مؤتمر اللاجئين: مشروع الاستثمار السياسي متواصل
“عودة اللاجئين مرتبطة بمجموعة عناصر داخلية وخارجية، وليست بيد الحكومة السورية فقط، ولِمَن يريد الاستثمار السياسي في قضيتهم لسنا هنا“. بهذه الكلمات، يمكن اختصار خلاصة رسائل اليوم الأول من المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين، والذي انعقد أمس في قصر الأمويين في دمشق، بمشاركة عربية ودولية، وغياب واضح للدول والمنظّمات التي لطالما أثارت قضية اللاجئين طيلة سنوات، لكن من بوابة استخدامها كورقة سياسية ضدّ الحكومة السورية.
المفوّضية الأوروبية والأمم المتحدة، إضافة إلى الدول الغربية التي يوجد فيها مئات آلاف اللاجئين السوريين، لم تلبِّ الدعوة إلى حضور مؤتمر من أجل هؤلاء، منعقد في وطنهم. بدا المؤتمر كما لو أنه محاولة لوضع كلّ جهة أمام مسؤولياتها، سواء هذه المُطالَبة برفع العقوبات عن سوريا، أم تلك المهتمّة بتقديم الدعم المالي لإعادة الإعمار. الإشارات الملتَقطة من المسؤولين السوريين في كواليس أحاديثهم على هامش المؤتمر، تؤكّد تطلّع دمشق إلى وقف استثمار ملف اللاجئين للضغط على الدولة السورية والانتخابات الرئاسية المقبلة، ولا سيما أن جهوداً عديدة كانت قد بدأت لإعادة اللاجئين منذ مدّة سابقة لطرح فكرة المؤتمر.
الرئيس السوري، بشار الأسد، افتتح أعمال المؤتمر عبر كلمة متلفزة شرح خلالها جوهر قضية اللاجئين التي تواجهها البلاد، باعتبارها مركّبة من ثلاثة عناصر مترابطة، عرّف عنها بـ”ملايين اللاجئين الراغبين في العودة، ومئات المليارات لتأهيل بنية تحتية مدمرة، وإرهاب ما زال يعبث في بعض المناطق السورية”. ولفت الأسد إلى “التسهيلات والضمانات التي قَدّمتها المؤسسات السورية لعودة مئات آلاف اللاجئين عبر التشريعات، كتأجيل الخدمة الإلزامية لمدّة عام للعائدين، والعديد من مراسيم العفو التي استفاد منها مَن هم داخل البلاد وخارجها”. وإذ انتقد “دولاً حَوّلت قضية اللاجئين السوريين على أرضها إلى ورقة سياسية للمساومة ومصدر للمال يروي فساد مسؤوليها”، فقد ربط “ازدياد إمكانيات الدولة في هذه القضية بتراجع العقبات المُتمثّلة في الحصار الاقتصادي والعقوبات”.
وجاء إعلان رئيس “مركز التنسيق الروسي – السوري لإعادة اللاجئين”، ميخائيل ميزينتسيف، عن تخصيص روسيا أكثر من مليار دولار لإعادة إعمار الشبكات الكهربائية والصناعات وأغراض إنسانية أُخرى، بمثابة أولى نتائج المؤتمر في يومه الأول. وفي إطار الاستعدادات للمؤتمر الذي شاركت روسيا في تنظيمه، فقد طلبت الأخيرة من الولايات المتحدة الأميركية إنهاء احتلال منطقة التنف الحدودية، وتفكيك مخيم الركبان الذي يعاني فيه السوريون الفقر والجوع والبرد، غير أن “واشنطن أهملت النداء”، بحسب ميزينتسيف.
ويُوقّع المسؤولون السوريون والروس، على هامش المؤتمر، 8 مذكّرات تعاون في مجالات الطاقة والاتحاد الجمركي والأنشطة التعليمية. ووفقاً لعضو مجلس “الدوما”، يفغيني بريماكوف، فإن “عدداً من المؤسسات الإنسانية الروسية يقوم بأنشطة على هامش المؤتمر، من بينها تقديم 76 طناً من المساعدات الطارئة في ما يتعلق بالمفاصل والأطراف الاصطناعية”. ويشير بريماكوف، في حديث إلى “الأخبار”، إلى أن “ورش عمل ضمن فعاليات المؤتمر تطرح مشاريع عديدة، منها افتتاح مؤسسة موسكو للأطراف الاصطناعية وتقويم العظام، ورشة عمل روسية للأطراف الاصطناعية وتقويم العظام في مشفى المجتهد”.
كشف معاون وزير الخارجية السوري، أيمن سوسان، في تصريح إلى الصحافيين، أن الولايات المتحدة “مارست ضغوطاً على مصر والإمارات لمنعهما من المشاركة في المؤتمر”، وهذا ما يفسّر امتناع أبو ظبي عن المشاركة في اللحظات الأخيرة، على رغم إعلانها مسبقاً نيّتها الحضور. وكان قد شدد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال المؤتمر، في كلمة ألقاها مبعوث الرئيس بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف، على “المساعدة في عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى ديارهم من خلال الاحترام الكامل لسيادة سوريا ووحدة أراضيها وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254″، منتقداً “دعم بعض الدول للتنظيمات الإرهابية في سوريا وتسييسها لقضية اللاجئين السوريين”.
من جهته، اقترح كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، إنشاء صندوق دولي لإعادة الإعمار في سوريا، مهاجماً “لجوء بعض الدول إلى فرض عقوبات اقتصادية ظالمة على الشعب السوري، وعلى رأسها قانون قيصر المفروض أميركياً”. واعتبر وزير الخارجية اللبناني، شربل وهبة، بدوره، أن “العائق الأساسي أمام حلّ قضية اللاجئين السوريين هو غياب الإرادة الدولية الجامعة والحسابات الضيقة لبعض دول المنطقة”، الأمر الذي أدى إلى “تسييس المسألة وعدم الاكتراث بمعاناة اللاجئين الإنسانية”. ولفت وهبة في كلمة متلفزة إلى أن “وجود مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان ساهم في تفاقم الأعباء الاقتصادية على الدولة اللبنانية، في ظلّ الظروف الصحية والاقتصادية الاستثنائية التي يشهدها لبنان والعالم”. وأمل أن يسهم المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين في “إيجاد حلّ لأزمة النزوح واللجوء”، وأن يُشكّل رافعة لـ”عودة النازحين السوريين ومحطّة مهمّة في تخفيف معاناة الدول المضيفة لأعداد كبيرة من اللاجئين”. أمّا وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة اللبناني رمزي المشرفية فقد رأى أن المؤتمر “يؤكد عزم الدولة السورية على العمل على العودة الآمنة والكريمة لأبنائها من اللاجئين والنازحين”، مشيراً إلى أن “سوريا بحاجة إلى سواعد جميع أبنائها لإعادة إعمار ما دمرته الحرب”. وبيّن أن “الكلفة المباشرة وغير المباشرة للنزوح منذ 9 سنوات تُقدَّر بأكثر من 40 مليار دولار نتيجة الضغط على الخدمات العامة والمواد المدعومة والبنى التحتية وفرص العمل”.
صحيفة الاخبار اللبنانية