جارنا ذو البيجاما المخططة
وأخيرا حطت حرب الانتخابات الأميركية أوزارها، وأصبح بإمكان جارنا الذي اعتاد النوم على الكنبة وهو يترقب نتائج التصويت أمام جهاز التلفزيون، أن يعود للنوم على فراش الزوجية ويسمح لزوجته باستئناف متابعة المسلسلات.
بعد أن قال الشعب الأميركي، لم يعد المضاربون والسماسرة وراكبو الأمواج السياسية، وحتى صغار الباعة، يتذرعون بتذبذب أسعار النقد العالمي نتيجة حمى هذه الانتخابات التي تصيب كل عطسة منها أسواق العالم بالزكام.
عاد دونالد ترامب، إلى ملاعب الغولف حيث تخفف عنه كل رمية من حدة الهزيمة، وتمكنه من التفكير في صفقة جديدة يضاعف بها ثروته كرجل أعمال استثمر في السياسة مدة أربع سنوات فأثلج صدور مناصريه وأثار غيظ منافسيه، لكنه ـ وفي كل الأحوال ـ ينام ثريا ويستيقظ ثريا.
العمل السياسي ـ كما النشاط الثقافي ـ يظل نزوة من نزوات الأغنياء، فلا راتب ترامب السنوي (400 ألف دولار) الذي يعدّ الأكثر تواضعا مقارنة ببقية زعماء العالم، سيزيد من تراكم ثروته، ولا الكتاب أو اللوحة التي يمكن أن ينجزها سياسي، جديرة بأن تجعله مليارديرا، لكن للسياسة والثقافة بريقا من نوع خاص.
هذا إذا افترضنا النوايا الطيبة والرغبات البريئة (وهو أمر نادر) في جنوح رجال الأعمال نحو النشاطين السياسي والثقافي.. وقس على ذلك في نزوع المثقف (الحقيقي طبعا) نحو احتراف التجارة أو ممارسة العمل السياسي.
دونالد ترامب، وبعد إقامته في البيت البيضاوي، يعود إلى مقرات وفيلات له أكثر رفاهية من ذاك الذي تحاصره كاميرات المصورين.
يعود الملياردير المثير للجدل إلى “برجه العاجي” حقيقة لا مجازا، كما يعود جارنا ذو البيجاما المخططة إلى سرير غرفة نومه المهترئة ويترك النوم على الكنبة التي أعادت زوجته احتلالها لمتابعة المسلسلات وقضم المكسرات.
سيستأنف ترامب عد وتضخيم ثروته وهو يتسلى بكرة الصولجان في الملاعب الخضراء، بينما يستمر جارنا الفقير بعد الهزائم والانتكاسات إلى جانب “السيدة الأولى” وهي تخيط له البيجاما المخططة، وتشتم حظها وأشرار المسلسلات.
الأثرياء يراكمون ثرواتهم والفقراء يكتفون بعدها والدعاء لهم في معاركهم الانتخابية وصفقاتهم التجارية، يذرفون دموع الحسرة حينما يخفقون، ودموع الفرح حينما ينجحون.
الاهتمام بالسياسة في الأوساط الشعبية يعادل الاهتمام بالفوتبول ونجوم الكليبات الغنائية.. إن الأمر يتجاوز مجرد التسلية ليصبح هوسا، خصوصا في بلد يمارس الحريات بدل أن يمارس الديمقراطية مثل تونس التي مازالت تعرف بالديمقراطية الناشئة منذ عشر سنوات.. وأخشى أن تظل “ناشئة” بعد عقود من الزمن، دون أن تبلغ سن الرشد.
الأمر يذكر بمونديال العالم لكرة القدم، والذي يغادر فيه فريق عربي من الدوري الأول، في أحسن حالاته، بينما يحتل جارنا ذو البيجاما الكنبة، ويملأ البيت صياحا.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة