إردوغان يعلن الانتصار من باكو: تردد أوروبي في معاقبة تركيا؟
يواصل زعماء دول الاتحاد الأوروبي، اليوم، في بروكسل، دراسة جدول أعمالهم، ومن بين بنوده مسألة فرض عقوبات – خفيفة في أسوأ الأحوال – من عدمه على تركيا، بسبب التنقيب عن النفط في شرق المتوسّط. في المقابل، يحتفل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مع نظيره الأذربيجاني، إلهام علييف، بيوم النصر على أرمينيا.
يرسم إردوغان هناك بعضاً من ملامح مستقبل منطقة القوقاز، مرسّخاً حضور تركيا ونفوذها في منطقة حسّاسة وغنية بالطاقة، مؤكداً أن العقوبات لن تؤثر عليها، فيما سفنه تواصل التنقيب عن الغاز الطبيعي في مناطق شرق المتوسّط، غير آبهة بعقوبات ثقيلة أو «لايت». بدا المشهدان معبّرَين عن خريطة القوى المتغيّرة، والتي أظهرت الاتحاد الأوروبي – أو أظهر الأخير نفسه – في صورة المنقسم والعاجز أو الخائف من استعداء تركيا، التي كانت إلى الأمس القريب مثل الولد الذليل الواقف على أبواب الاتحاد، وقد تعبت يداه من الطَّرق، فيما لم يسمع سوى صوت الرافض لفتح الباب.
اجتماع زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل فقَد بريقه مع تسريب وكالة «رويترز» مسودة البيان الختامي، وما قد يتضمّنه من عقوبات خفيفة، أو الاكتفاء بالتحذير من أنه إذا استمرّت تركيا في انتهاك سيادة اليونان وقبرص، فسيفرض عليها الاتحاد عقوبات في اجتماعه المقبل في آذار/ مارس. وورد في المسودة أنه ستُفرض عقوبات على الأشخاص والشركات التي تُنقّب لمصلحة أنقرة في شرق المتوسط. لكنّ الوكالة نقلت أن اليونان وقبرص اليونانية غير راضيتين عن القرار، وتريان أنه غير كاف. وحتى الآن، تستهدف العقوبات مسؤولين رفيعين في «شركة البترول الوطنية التركية» (TPAO)، فيما يمكن توسيع اللائحة في القمّة لتطاول آخرين.
تَحوّل التحذير إلى مجرّد عمل روتيني أجوف. إذ إن قمّة الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حذّرت تركيا من أنه إذا استمرّت في نشاطاتها الأحادية الجانب في شرق المتوسّط وفي انتهاك القانون الدولي، فإن قمة العاشر من كانون الأول/ ديسمبر سوف تفرض عقوبات عليها. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، تشارلز ميشال، قالت، قبل أيام، إن القمة السابقة أبقت باب الحوار السياسي مع أنقرة مفتوحاً، لكنها دعمت الموقف اليوناني والقبرصي اليوناني. وأضافت أنه في حال انتهجت تركيا موقفاً إيجابياً، وأنهت تحرّكاتها المنفردة المخالفة للقانون الدولي، فـ«إننا حاضرون لجدول أعمال إيجابي». لكن أنقرة، برأي ميشال، لم تقم بأيّ مبادرة، واتّبعت سلوكاً «تحريضياً وعدوانياً». ولذلك، فإن قمّة بروكسل سوف تناقش مسألة فرض عقوبات عليها. وشدّدت ميشال على أنه «يجب إنهاء لعبة القطّ والفأر» هذه.
يرى معظم المراقبين أن الكلمة الحاسمة في قرارات قمّة بروكسل هي لألمانيا. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، اتهم، في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد يوم الثلاثاء الماضي، تركيا، بأنها تعرقل الحوار المباشر مع اليونان وقبرص اليونانية، وتُواصل استفزازاتها، في وقت يبذل فيه الاتحاد جهوداً ضخمة من أجل إقامة مثل هذا الحوار، لكن برلين، ولا سيما في مواقف المستشارة أنجيلا ميركل، كانت إلى جانب إبقاء باب الحوار مع أنقرة مفتوحاً وعدم فرض عقوبات عليها. لذلك، برزت، عشية انعقاد القمّة، تصريحات لمسؤولين أوروبيين تَجمع بين تحذير تركيا وبين الحديث عن أهمية استمرار العلاقات الجيدة معها. وفي هذا الإطار، أشار الناطق باسم المفوّضية الأوروبية، بيتر ستانو، إلى أن العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي لها أبعاد كثيرة، معتبراً أن مصلحة أوروبا تكمن في أن تتقدّم العلاقات إيجاباً بالقدر الممكن المرتبط بالموقف التركي، وفي إقامة تعاون بنّاء وحوار. ورأى في القمّة محطّة مهمّة في العلاقات التركية – الأوروبية، لافتاً إلى أن الاتحاد مدّ يده إلى أنقرة في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي لتعاون بنّاء وإيجابي، لكنه «لم يجد مقابلاً لذلك». على أن ما لفت في تصريح ستانو قوله إن على الاتحاد ان يأخذ في الاعتبار أن تركيا عضو في «حلف شمال الأطلسي»، وأن العديد من دول الاتحاد أعضاء أيضاً في الحلف. مع ذلك، فإن كلّ الأمور مطروحة على الطاولة، والقرارات ستُتّخذ بالإجماع. الموقف نفسه تقريباً عَبّر عنه رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، الذي قال إنه يجب إبقاء نافذة الفرص مفتوحة من أجل مسار إيجابي؛ فتجذير التوترات ليس في مصلحة الاتحاد، ولا سيما أن «قبالتَنا بلداً عضواً في حلف شمال الأطلسي». ودعا كونتي إلى عدم تصعيد التوتر عشية القمّة، معتبراً أن أهمّ شيء هو أن يكون التكتل الأوروبي متوحّداً وكلمته واحدة، ويتحدّث بمنطق مقنع، مضيفاً أن «الإشارات التي سنرسلها إلى أنقرة يجب أن تكون واضحة جداً، وهي ألّا يتصاعد التوتر».
نجحت تركيا في أن تُوظّف عضويتها في «حلف شمال الأطلسي» لتخفيف الضغوط عنها. إذ وَجّه الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، رسالة إلى بروكسل بأن الضغوط على أنقرة لن تكون في مصلحة الحلف، وبأن على الأوروبيين أن يقاربوا بإيجابية العلاقات معها، وألّا ينسوا أنها عضو في «الناتو»، وأن العقوبات يمكن أن تُعقّد العلاقات داخل الحلف. وذكّر ستولتنبرغ دول الاتحاد بأن تركيا كان لها دور مهمّ في محاربة «داعش»، وتستقبل على أرضها ملايين اللاجئين السوريين، وهي الدولة «الأكثر تعرّضاً لتهديد الإرهاب». كذلك، يلعب العامل الاقتصادي دوراً كبيراً في حماية تركيا من عقوبات جدّية. حتى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لم تعد تصريحاته حادّة جدّاً ضدّ إردوغان. فقد أدّت الدعوات في بعض الدول المسلمة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية بعد مواقف ماكرون من الإسلام إلى التحسّس من خطورة ذلك على الاقتصاد الفرنسي، بل التراجع النسبي عن مواقفه السابقة. أمّا ألمانيا، فهي من أكثر الدول معارضة للعقوبات، لعاملَين أحدهما اقتصادي، والآخر هو الخوف من إعادة تركيا لسياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين السوريين للتدفّق نحو أوروبا وألمانيا خصوصاً.
لكن ذلك يثير غضب اليونان وقبرص اليونانية، اللتين تتّهمان الاتحاد، ضمنياً، بالتخاذل. وفي هذا الإطار، حذّر ألكسندروس دياكو بوليس، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء اليوناني، من أن تركيا تعمل على إعادة التموضع وتعريف نفسها في شرق المتوسط. وقال، في مقالة له في صحيفة «كاتيميريني» الواسعة الانتشار، إن تركيا تحاول فرض سيادتها على مساحة واسعة من المياه الممتدّة من البحر الأسود إلى شرق المتوسط؛ وهذا يعني، في حال نجاحه، بسط نفوذها إلى المنطقة الممتدّة من البحر الأسود إلى قناة السويس. كما أن نظرية «الوطن الأزرق» يتمّ دعمها من قواعد تركيا في الصومال والسودان وليبيا، بحسب بوليس، الذي أشار إلى أن أنقرة استثمرت خلال العشرين سنة الماضية مبالغ خيالية لتطوير صناعاتها العسكرية والبحرية، بل إنها تُوسّع نفوذها إلى المحيط الهادئ من خلال فتح سفارات لها في 26 دولة أفريقية، وتوقيع اتفاقيات تعاون عسكري واقتصادي مع باكستان وماليزيا.
في المقابل، كان وزير الخارجية التركي الأسبق، شكري سينا غوريل، في حوار مع صحيفة «جمهورييات»، يقول إن فرض عقوبات ناعمة على تركيا هو بداية لتشديد الخناق عليها، واصفاً الحوار مع اليونان بأنه سيكون خاطئاً، لأن الاتحاد سوف يدفع في اتجاه تنظيم العلاقات مع تركيا بما يتوافق مع الموقف اليوناني. ورأى أن العقوبات الأميركية والأوروبية تتناغم مع بعضها البعض لجعل تركيا بلداً مكشوفاً، و«هذا أمر خطير إلى الحدّ الأقصى». وأشار إلى أن أنقرة عرضت أخيراً لرزمة إصلاح علّها تتفادى العقوبات الأوروبية، لكنها «لم تكن صادقة في الإصلاح»، بحسبه. ولفت غوريل إلى أنه ليس في القانون الدولي أيّ حكم يمنع تركيا من التنقيب عن النفط والغاز حيث تنشط الآن، بل ليست لليونان أيّ علاقة بشرق المتوسط، مضيفاً أن جزيرة مئيس الصغيرة جداً والمواجِهة مباشرة للساحل التركي لا يمكن أن تكون ذريعة لمدّ الحدود البحرية لليونان، فالسواحل التركية هي الأساس، متابعاً أن «ما يمكن أن يكون موضع بحث في أيّ لقاء تركي – يوناني هو مشكلات بحر إيجه وليس غيرها». كما رأى أن إظهار حاجة أوروبا إلى تركيا فقط على الصعيد الأمني ومسألة اللاجئين السوريين «أمر خاطئ»، معتبراً أن على بلاده أن تتوقف عن أن تبيع الأمن فقط. وأضاف أن على أنقرة أن تبذل جهوداً كبيرة لتكون على مستوى المعايير الدولية في مجالات حقوق الإنسان والقانون والاقتصاد، حتى لو لم تكن عضواً في الاتحاد الأوروبي.
صحيفة الأخبار اللبنانية