تخبّط أوروبيّ حيال إيران في انتظار الفعل الأميركيّ

 

يُمثّل تصريح رئيس الدبلوماسية الألمانية عن ضرورة إبرام «اتفاق موسّع» مع إيران تغييراً في المقاربة الأوروبية تجاه الاتفاق النووي. غير أن الخبراء الغربيين يؤكدون أن العودة إلى التفاوض مع طهران ستكون مستحيلة من دون الالتزام بالإطار الأصلي للاتفاق والرفع الكامل للعقوبات. في مقابلة مع «درشبيغل» يوم 4 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، أعلن هايكو ماس أن للأوروبيين مطالب واضحة من إيران: «لا أسلحة نووية، ولا برنامج للصواريخ الباليستية يهدّد المنطقة بمجملها». ذَكّر هذا الموقف بذلك الذي أطلقه إيمانويل ماكرون في عام 2018 عشية لقاءٍ جمعه بدونالد ترامب. الرئيس الفرنسي أصرّ، آنذاك، أيضاً، على أهمية التفاوض على اتفاق جديد أكثر إلزاماً لإيران، يضمّ برنامجها الباليستي، ويأخذ في الاعتبار دورها الإقليمي «المزعزع للاستقرار». غير أن الاتحاد الأوروبي، الذي يشارك الولايات المتحدة قلقها حيال هذا البرنامج، وكذلك حيال دور طهران الإقليمي، بقي مصرّاً على فصل هاتين القضيتين عن الاتفاق النووي. لكنّ كلام هايكو ماس يعني أن الاتحاد بات يتبنّى «الحزم» مع هذا البلد.

كريستيان لوكين، المسؤول في «مركز دراسات العلاقات الدولية» في معهد العلوم السياسية في باريس، يعتقد بأن تطوّر القدرات الصاروخية الإيرانية، حتى التقليدية منها، سيطلق سباق تسلّح إقليمياً، لافتاً إلى أن «تورّط إيران في حروب إقليمية، وتحقيقها بعض النجاحات، يدفعان الأوروبيين إلى التساؤل عن أهداف استخدامها للقوة العسكرية التقليدية». هو يعتبر أن نشاط إيران الباليستي يزيد من أزمة الثقة حول نواياها: «إذا أرادت أن يُعترَف بها كقوة إقليمية، فهي تحتاج إلى بناء علاقات ثقة مع جوارها والعالم، ما يعني تخلّيها عن مفهومها الثوري للدبلوماسية. هي لم تقبل تماماً إلى الآن بقواعد اللعبة»، بحسب لوكين، الذي يشير إلى أن الأوروبيين يريدون بلورة تصوّر واضح لتطوّرات موضوعية جرت منذ عام 2015.

إريك أندريه مارتان، الأمين العام لـ«لجنة دراسة العلاقات الفرنسية – الألمانية»، مقتنع، من جهته، باستحالة المضيّ نحو اتفاق موسّع إذا لم يتمّ الحفاظ على الاتفاق النووي بصيغته الأصلية. «أعتقد أنه من المفروض التركيز على التنازلات التي تستطيع مختلف الأطراف تقديمها، بدلاً من طرح فكرة الاتفاق الموسّع بداية. لا مصلحة لإيران في الموافقة على مفاوضات جديدة إن لم تتمكّن من جَنْي مكاسب من الاتفاق الأصلي». بنظر الخبير، ينبغي أولاً رفع العقوبات عن إيران، وكذلك تلك الخاصة بالشركات الأوروبية، وتعزيز إطار الاتفاق القائم لإتاحة المجال للمضيّ قُدُماً. علاوة على ذلك، وبمعزل عن تصريح ماس، فإن الأوروبيين لا يمتلكون استراتيجية واضحة، وهم واقعاً في وضعية انتظارية. «سيراقب الأوروبيون عن كثب كيفية تعامل إدارة بايدن مع هذا الملف، قبل اتخاذ موقف نهائي منه. سيكون هذا الأمر اختباراً لمدى التزام بايدن بالمقاربة التعدّدية، وستَظهر معالم سياسته الخارجية في مجال الأمن. هو كَرّر إدانته لسياسة الضغوط القصوى، وعَيّن مهندس الاتفاق النووي وزيراً للخارجية»، بحسب مارتان.

يوافق تييري كوفيل، الباحث في «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية»، والمتخصّص في الشؤون الإيرانية، على أن السياسة الأوروبية حيال إيران غير مكتملة المعالم حتى اللحظة. «حتى في المعسكر الديمقراطي، فإن الخطاب تجاه إيران ليس موحّداً، ونشهد خلافات لافتة. نحن في مرحلة انتقالية، ما يعني عدم التسرّع في تفسير تبعات تصريح ماس. هي بالتأكيد تشي بوجود مخاوف من دور إيران الإقليمي. لكنّ مصلحة الأوروبيين تقتضي تعزيز اتفاق 2015، والعمل على أن تلتزم جميع الأطراف بكامل مضمونه، قبل الحديث حول أيّ قضية أخرى». ووفقاً له، فإن الأوروبيين يعون أن مطلب الاتفاق الموسّع في السياق الحالي لن يكون مقبولاً من الإيرانيين. «أظنّ أنه لا بدّ من الخروج بخلاصات حول العلاقات الأورو-أطلسية في عهد ترامب بالنسبة إلى الأوروبيين. عجزت أوروبا عن مقاومة الطبيعة المتجاوزة للحدود للعقوبات الأميركية. هي دافعت عن الاتفاق النووي شفهياً من دون أن تنجح فعلياً في حماية مصالحها. إن لم يكن التضامن العابر للأطلسي قابلاً للاهتزاز، فإن التوجّه نحو استراتيجية أوروبية مستقلّة يجب أن يُترجَم عملياً في مرحلة ما».

هنا، يجزم كريستيان لوكين أن ميل ترامب إلى عدم التعاون مع الأوروبيين هو الذي حَفّزهم على التفكير بجدّية أكبر في بلورة استراتيجية مستقلّة، لكننا نلاحظ عودة للمقاربة الأطلسية المعهودة. «لا يقين لدى الأوروبيين حول ماهية التعامل المناسب مع الولايات المتحدة. من جهة، نسمع كلاماً عن ضرورة الحفاظ على مصالحنا وبلوغ قدر معيّن من النضج. ولكن، من جهة أخرى، وبمجرّد أن يسعى رئيس أميركي للحوار مع أوروبا، نرى عودة للخطاب الذي يَفترض أن لا إمكانية لأيّ فعل جدّي من دون الأميركيين. فكرة الاستراتيجية الأوروبية المستقلّة غير محبّذة بالنسبة إلى الألمان وإلى دول أوروبا الوسطى، نتيجة لتجربتهم التاريخية»، يختم لوكين.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى