اللقمة والنقمة
اللقمة والنقمة …. بمناسبة مرور عامين على انتفاضة مصر. أرجو أن يكون مبرراً إعادة نشر نصين حول الموضوع.
وهنا النص الأول وتاريخه 31 كانون ثاني\يناير 2011 .
ثمة ألف سبب للإنتفاض.
وثمة ألف سبب للإجهاض.
تاريخ الشارع المصري مؤشر إلى حساسيات فريدة من نوعها.
في عام 67 وبعد الهزيمة أعلن عبد الناصر اســتقالته متحملاً مســؤولية الهزيمة. خرج الملايين( وليس الآلاف) ليقولوا كلمتهم:” اصمد ونحن معك، المعركة انتهت ولكن الحرب بدأت” ، هناك جوع في مصر، كان هناك شد أحزمـة لتصغير اللقمة ، توفيراً لمعـدات النصر (الثار، إذا شئت) وبهـذا المعنى، ومنه لم يكتب أحد على دبابة: يسقط عبد الناصر!
في حرب أكتوبر انتصر الجيش المصري، حقق عبوراً مذهلاً إلى أرض محررة ( مع وقف التنفيذ) ولكن السادات قاد العبور الثاني إلى الصلح مع إسرائيل . وهنا… كان ينبغي أن يصرف المصري من المال الذي وفره السلام، وزادته وفرة النفط، لكن ” القطط السمان” ( وهي تسمية مصرية) ابتلعت هذا الوفر فازداد الفقر، وتفشت البطالة، وتبختر السائحون الإسرائيليون في شارع الهرم، وكازينوهات القاهرة، فكانوا علامة على الهدر المزدوج : الكرامة والاقتصاد الفاسد.
الشارع المصري يخرج اليوم احتجاجاً على “منتصر” قديم، وكان قد خرج بعد فوات الأوان، الفرق هو بين الوعد والوعيد.
بين ابن الشارع وابن البيكوات، بين الدبابة في الشارع والدبابة على تخوم العدو.
لدى النظام العربي كل أدوات استراق السمع، ولكنه مصر على استخدام الصمم، لديه كل أدوات البصر، ولكنه مصر على انعدام البصيرة. لديه كل أدوات الفهم، ولكنه لا يفهم!
كل مصري يصبح شاعراً فيقول: “مصر ولادة” وهذا يعني أنها لا تموت ولا تصمت. لكن النصيحة السوداء للنظام المصري: ” دع الشعب يلهث وراء لقمته فيلهو عن نقمته” لا تستطيع إخراج الناس من حقل السياسة إلى حقل الشوفان!
فهذه النصيحة سياسة، وكيمياء مفاعيلها في الجمهور… سياسة. ولهذا يجب إعادة تعريف السـياســة بوصفها إدارة شأن عام وتدخل فيه ، وتداخل بين الهامش والنص . بين الإقصاء والمشـاركة ! من السـبعين مليون مصري هناك أقل من مليون يحتلون مقاعد الشأن العام. والباقي لن يبقى في طين الترعة النيلية، ولا في حناء البلهارسيا التي لم تنقرض، ولا يمكن لملايين الشباب أن يصفقوا طوال الوقت لمباراة كرة القدم في مقهى ناصية البطالة!
ثمة العبارة الشرسة لماو تسي تونغ:
معاداة الإمبريالية أسهل من مصالحتها (مصافحتها) . تطبيقاً: كنا نشـبع في خنادق مدن القناة ، أصبحنا نجوع في فنادق مدن السلام!
مرة أخرى يتفضل العامل الإسرائيلي في ” تشريف” خلفيات ما يحدث لبلد مسالم… عظيم وذكي!