هدية ترامب الأخيرة للسعودية: وسم «أنصار الله» بالإرهاب
ترفض إدارة دونالد ترامب أن ترحل قبل أن تفعل كلّ ما في وسعها في إطار حملة الضغوط القصوى ضدّ إيران وحلفائها. هذا ما أنبأ به قرارها، في الأيام الأخيرة من ولايتها، إدراج حركة «أنصار الله» في اليمن على «لائحة الإرهاب» الأميركية. قرارٌ يستهدف، بوضوح، أيضاً، بثّ رسالة طمأنة إلى السعودية، القلقة إزاء مصير حربها على هذا البلد، في ظلّ قدوم رئيس غير مأمون الجانب بالنسبة إليها
ليس إدراج حركة “أنصار الله” في لوائح الإرهاب التابعة للولايات المتحدة معزولاً عن سياق التصعيد الأميركي الذي ازداد حدَّة في أعقاب هزيمة الرئيس الذي تُشارف ولايته على الانتهاء، دونالد ترامب. فالإدارة المنصرفة تستميت لرفع معنويات حليفتها السعودية، القلقة إزاء مستقبل حربها في اليمن، يومَ يفي الرئيس المنتخَب، جو بايدن، بوعده بالانسحاب منها. تُدرك هذه الإدارة، ووزير خارجيتها المتفاني، مايك بومبيو، أن صنعاء، ومعها محور المقاومة، يبنيان استراتيجية تقوم على المبادرة والاندفاع، وأن لليمن أوراقاً عسكرية، إذا ما استُخدمت، ستُحدِث تغييرات حيوية في الجغرافيا السياسية للإقليم.
التصنيف المنتظَر منذ الانتخابات الأميركية في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي جاء في أعقاب تلاشي موانع إشهار الحضور الإسرائيلي المباشر في الحرب على اليمن، بعد افتتاح الإمارات مسلسل التطبيع مع كيان العدو، في موازاة تفعيل أنظمة الدفاع الجوي، ومن بينها منظومة “باتريوت” الأميركية، في منطقة إيلات المطلّة على البحر الأحمر أقصى جنوب فلسطين المحتلّة، لمواجهة “التهديدات الآتية من اليمن”، وفق المزاعم الإسرائيلية. في ضوء ما سبق، فإن القرار الأميركي يتساوق مع انطلاق قاطرة التطبيع، بحسب ما كشفت صحيفة “جيروزالم بوست”، قبل أيام، إذ رأت أن انعقاد “السلام” بين إسرائيل ودول تحالف العدوان يجعل للكيان العبري مصلحةً مباشرة في الحرب على اليمن. وتحدّثت الصحيفة عن تقارير تؤكّد نيّة الولايات المتحدة إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون/ بريم اليمنية الواقعة في قلب باب المندب (عمدت أبو ظبي، منذ احتلالها جنوب اليمن، إلى تهجير سكّانها وبناء قاعدة عسكرية على أنقاض بيوتهم)، لتعزيز مصالحها وضمان أمن حليفتها الإسرائيلية، ولا سيّما أن المضيق يمثّل أهميّة استراتيجية رئيسة لضمان الوصول إلى المحيط الهندي وما بعده.
تعتقد “مجموعة الأزمات الدولية” أن الخطوة الأميركية، بحسب ما يجري تأطيرها في المداولات الداخلية، إنما جاءت لتُعزِّز حملة “الضغوط القصوى” التي تتبعها إدارة ترامب تجاه إيران، فيما يؤكّد البعض أنها مدفوعة بطلبٍ مباشر من الرياض وأبو ظبي. في النقطة الأولى، أوضح بومبيو أن القرار يهدف إلى تعزيز “الردع ضدّ الأنشطة الضارّة التي يقوم بها النظام الإيراني” الداعم للحركة، فيما تحدّث عن النقطة الثانية عضو الوفد المفاوض لصنعاء، عبد الملك الجعري، الذي أكّد ما نقلته صحيفة “واشنطن بوست” من أن دبلوماسيين أميركيين كباراً طلبوا، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لقاء ممثّلين عن حركة “أنصار الله”، إلّا أن الأخيرة رفضت. وقال: “الحكاية أنهم حاولوا وضعنا أمام مساومة وقحة، إمّا نصنّفكم إرهابيين أو توقفون الصواريخ على السعودية… هذه الحكاية باختصار مجرد ابتزاز… وأشكّ في أن قصف مطار عدن يأتي في سياق الإعداد للتصنيف”.
على المستوى الأميركي الداخلي، لم يأبه بومبيو للمعارضة الشديدة التي سبقت الإعلان عن الخطوة. ويرجع ذلك، وفق مراقبين، إلى شخصية الوزير الأيديولوجية وانتمائه إلى المسيحيين الإنجيليين المتطرّفين، الذين يُغلّبون الجانب العقائدي على ذلك السياسي. ونقلت مجلّة “فورين بوليسي” عن مصادر دبلوماسية لم تُسمِّها قولها إن “إدارة ترامب كانت تفكّر منذ بعض الوقت في تنفيذ خطوتها، لكن بومبيو أراد تسريعها”، والإعلان عنها قبل عشرة أيام من انتهاء ولاية ترامب، على أن تَدخل حيّز التنفذ في الـ19 من الشهر الحالي، أي قبل يوم واحد من حفل تنصيب بايدن. على هذه الخلفية، لَقي تصنيف “أنصار الله” جماعةً “إرهابية” معارضةً شديدة من جانب الحزبَين، إذ دعا نوّاب أميركيون بارزون، أول من أمس، إلى التراجع سريعاً عن قرار وزير الخارجية، لأن من شأنه أن يفاقم الأزمة الإنسانية. وفي هذا الإطار، قال السناتور كريس مورفي، العضو البارز في الحزب الديموقراطي، إن “تصنيف الحوثيين منظّمة إرهابية هو حكم بالإعدام على آلاف اليمنيين”، لكونه “سيقطع المساعدات الإنسانية، ويجعل محادثات السلام شبه مستحيلة، ويعزّز موقع إيران”، داعياً إدارة بايدن إلى “إلغاء هذه السياسة في يومها الأول”. واعتبر النائب الديموقراطي غريغوري ميكس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، بدوره، أنه “لن يكون هناك أيّ حلّ مستدام في اليمن ما لم يشارك الحوثيون. من خلال تصنيفهم منظمة إرهابية أجنبية، تَدفع إدارة ترامب فقط الحلّ السياسي للصراع بعيداً عن متناول اليد”. بدوره، رأى السناتور تود يونغ، وهو جمهوري لا يوافق على سياسة الرئيس الذي تشارف ولايته على الانتهاء في شأن اليمن، أن تحرّك بومبيو “سيزيد من زعزعة استقرار دولة مزّقتها الحرب” ويمنع جماعات الإغاثة من تقديم المساعدات الحيوية، مبدياً استعداده للعمل مع الإدارة المقبلة لـ”إلغاء هذا القرار المضلّل” (بموجب القانون الأميركي، أمام الكونغرس سبعة أيام لمراجعة التصنيف ورفضه، لكن هذا لا يبدو مرجّحاً في ظلّ عدم انعقاد مجلس الشيوخ، وتركيز مجلس النواب على عزل ترامب على خلفية أحداث الكابيتول الأسبوع الماضي).
سبقت قرارَ إدراج “أنصار الله” في القائمة الأميركية السوداء للجماعات الإرهابية معارضةٌ شديدة من قِبَل بعض المؤسسات الأميركية، وعلى رأسها “البنتاغون”. وفي هذا السياق، ذكرت “فورين بوليسي” أن “وزارة الدفاع الأميركية والخبراء في وزارة الخارجية يعارضون هذه الخطوة. وحتّى الفريق المعادي لإيران في وزارة الخارجية كان معارضاً للقرار، على اعتبار أنه لا يخدم المصالح الأميركية. وتفيد مصادر صحافية مختلفة بأن الدبلوماسيين المعارضين للخطوة حاولوا أيضاً التأثير على السناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، الحليف القوي لترامب، والذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، لدفعه إلى معارضة التصنيف الأخير. وفي الوقت نفسه، قام تحالف من الجمعيات الخيرية الدولية بإعداد بيان مشترك، يقارن آثار تصنيف الولايات المتحدة حركة “الشباب” في الصومال جماعة إرهابية في عام 2008، بما يمكن أن يحدث في اليمن في أعقاب الخطوة الأخيرة.
صحيفة الاخبار اللبنانية