شاورما سياسية
منذ أيام، قال مالك مطعم لبيع الشاورما في موسكو، إنه اضطر لإغلاق محله بعد يوم من افتتاحه بسبب غضب الناس من علامته التجارية الاستفزازية التي حملت صورة جوزيف ستالين.
تخيلوا لو أنّ مطاعم شبيهة في بلدان ما يُعرف ب “الربيع العربي” قد فعلت ذات الشيئ، وسمّت محلاتها وعلاماتها التجارية باسم حكامها السابقين.
حتما، سوف تغضب نسبة قليلة من الثوريين الجدد، و”الناظرين إلى خلفهم بغضب”، ولكن أناسا كثيرين سوف ويتحسرون ـ بالتأكيد ـ على “كوشري مبارك” و” كفتاجي بن علي” و” مبكبك القذافي” و” مندي علي عبدالله صالح“.
وضع مطعم”ستالين دونر” صورة للزعيم الشيوعي المثير للجدل أعلى الباب، بينما وقف في الداخل عامل يرتدي زي رجال الأمن في عهد ستالين لتقديم لفائف اللحوم، التي تحمل أسماء القادة السوفييت للزبائن.
تخيلوا لو أن مطعم القذافي، مثلا، قد صبغ محله باللون الأخضر، ووقف في داخله واحد ل “اللجان الشعبية والثورية” وقد ارتدى زيه المرعب، مقدما وجباته التي حملت أسماء القذافي وأبنائه والمقربين من عشيرته.
القطط تحب خناقيها.. هذا أمر لا جدال فيه، ولكن أن تعيد إحياءهم على شكل وجباة مشتهاة، فهذا أمر لا يرضاه الله والعباد.
ترى، ما الذي يجعل ستالين يعود إلى “رشده” بعد عقود طويلة من موته السريري غير ذاك الحنين؟ ما الذي جعل سفاح الكرملين، اسم وجبة شهية كالشاورما، غير ذاك التعطش لفرم اللحوم وتقطيعها غير تلك الأهبة المتهيئة بين الأسنان؟
كيف يستسيغ مواطن عربي أكل شاورما أمام صورة من أكل “شاورماه”، واستباح دمه بالأمس القريب، في المطاعم وكل المحلات العامة والخاصة؟.
يبدو أن الذاكرة العربية ضعيفة أو هي تعاني مما يعرف ب “متلازمة ستوكهولم” أي تلك الظاهرة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو مَن أساء إليه بشكل من الأشكال، و يُظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المُختَطَف (الفاعل) مع المُختَطِف (المفعول به).
يذكر الوضع بإحدى أفظع المقاطع في رواية البريطاني جورج أورويل في “1984” ” حين قال لرفيقه في السجن ” ما ألطف وأذكى ابنتي الصغيرة حين وشت بي إلى الشرطة السرية عندما كنت أشتم الأخ الأكبر في منامي بصوت مسموع.. لقد أنقذت الموقف قبل تفاقم الأمر”.
لا تأمن جانب الرعاع والمتحمسين.. إنهم يبيعونك عند أول التفاتة، ويتحمسون لبائعيك ومشتريك على حد سواء.. تماما كما قال بائع “شاورما ستالين ” للصحفيين ” كنت أتوقع بعض الضجيج على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن لم أكن أتوقع أن يتدفق جميع المراسلين والمدونين وجميع محطات التلفزيون إلى هنا ويصطفون كما يفعلون أمام ضريح لينين”.
بوابو الشرق الأوسط الجديدة