«الميدان» يُسقط حكم «الإخوان» بحراسة الجيش
رئيس مؤقت بمباركة البرادعي وشيخ الأزهر وبابا الأقباط وحركة تمرّد
… وحقق شعب مصر، بملايينه التي ملأت الميادين والشوارع والساحات، في القاهرة والإسكندرية وسائر المدن ومراكز المحافظات جميعاً، إنجازاً تاريخياً سيكون إيذاناً بفجر عربي جديد: لقد أُسقط الطاغية الإخواني محمد مرسي بعد سنتين وبضعة شهور من إسقاط الطاغية المتهالك حسني مبارك.
فبعد ثلاثة أيام من صيحة الشعب المصري «إرحل» التي ترددت أصداؤها في دنيا العرب كافة، وبعد يومين من «الإنذار» العلني الذي وجهته القوات المسلحة بلسان قائدها الفريق أول عبد الفتاح السيسي إلى مرسي بضرورة تلبية المطالب الشعبية، حسم الجيش الأمر مستنداً إلى الإرادة الشعبية، فأعلن عزل مرسي وتكليف الرئيس الجديد للمحكمة الدستورية العليا عدلي منصور مهام رئيس الجمهورية مؤقتاً، في انتظار انتخاب رئيس جديد وإنجاز دستور جديد.
ولقد تم الإعلان عن هذه القرارات التاريخية عبر لقاء نظمته قيادة الجيش في مقر الحرس الجمهوري وجمع أهم الرموز الدينية والسياسية لتوكيد الإجماع الوطني، وهكذا تحدث، بعد إعلان السيسي الخطوات التنفيذية للتغيير كل من: شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وبابا الكنيسة المرقصية تواضروس والدكتور محمد البرادعي ممثلاً جبهة الإنقاذ الوطني ومحمود بدر منسق حركة «تمرد» التي أثبتت خلال فترة الحسم قدرة تنظيمية لافتة على توحيد الشعارات والهتافات في مختلف الميادين.
ومع إعلان هذه القرارات التاريخية تفجر الفرح مدوياً في مختلف أنحاء مصر، بينما كانت طائرات الهليكوبتر العسكرية تراقب الوضع على الأرض.
في المقابل ساد صمت الخيبة ميدان رابعة العدوية الذي حشد فيه الإخوان جمهورهم منذ يوم الجمعة الماضي، في حين اختفى معظم قياداتهم (أو أوقفت مع الرئيس المخلوع، الذي أظهرته بعض الصور محاطاً بعدد من الضباط في مركز الحرس الجمهوري).
وكان لافتاً أن المملكة العربية السعودية كانت أول دولة تبادر إلى تهنئة «الرئيس الجديد»، بينما تريثت مختلف العواصم الدولية والعربية في إعلان موقفها.
أما على المستوى الشعبي فقد عمت الفرحة مختلف الأقطار العربية وعبّر شبابها عن غبطتهم بهذا الإنجاز التاريخي الذي سيشكل نقطة تحول في اتجاه الغد الأفضل، خصوصاً أن تأثيراته ستنعكس إيجاباً على حركة التغيير المتصاعد زخمها في العديد من الأقطار العربية الغارقة في مخاطر الحروب الأهلية أو المهددة بتفجرها عبر تغييب الوطنية في غياهب الحركات الدينية التي ثبت أنها لا تملك برنامجاً للتغيير، كما ثبت ارتباطها الوثيق بالقرار الأميركي وتهاونها إلى حد التذلل مع العدو الإسرائيلي.
وبعد ساعات من التوتر، أعقبت انتهاء إنذار الساعات الثماني والأربعين، التي أمهل خلالها الفريق أول عبد الفتاح السيسي القوى السياسية للاستجابة لمطالب الشعب، أعلن وزير الدفاع المصري، في كلمة متلفزة، أن «القوات المسلحة لم يكن بمقدورها أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التي استدعت دورها الوطني وليس دورها السياسي».
وأعلن السيسي عن «خريطة مستقبل» تتضمن خطوات أولية، هي:
– تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت.
– يؤدي رئيس المحكمة الدستورية العليـا اليميـن أمام الجمعية العامة للمحكمة.
– إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد.
– لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية.
– تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية.
– تشكيل لجنة تضم الأطياف والخبرات كافة لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتاً.
– مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية.
– وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن.
– اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين الشباب ودمجهم في مؤسسات الدولة ليكون شريكاً في القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة.
– تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات.
وجاءت هذه التدابير، في وقت اتخذت القوات المسلحة المصرية، من جيش وشرطة، إجراءات مشددة على امتداد الأراضي المصرية لمنع أي إخلال بالأمن، فيما تحدثت مصادر عسكرية عن صدور أوامر إلقاء قبض على 300 من قيادات الجماعة، بمن فيهم المرشد العام محمد بديع ورئيس «حزب الحرية العدالة» سعد الكتاتني، وإدراجهم على قائمة الممنوعين من السفر.
وفيما سارع الملك السعودي عبد الله ودولة الإمارات الى الترحيب بالاطاحة بمرسي، وفيما لم يصدر أي شيء عن قطر، أعرب الرئيس الاميركي باراك اوباما، في بيان، عن قلقه العميق لعزل مرسي وتعليق العمل بالدستور، وطالب بعودة سريعة الى حكومة مدنية منتخبة ديموقراطياً بأسرع ما يمكن.
وقال إنه «أصدر توجيهات الى الاجهزة الاميركية المعنية لمراجعة أبعاد تدخل الجيش لتقرير هل سيكون لها أي تأثير على المعونة الأميركية لمصر». وحثّ «الجيش المصري على تفادي أي اعتقال تعسفي لمرسي وأنصاره»، موضحاً انه «يتوقع ان يحمي الجيش الحق في التجمع السلمي».
وحذر رئيس الاركان الاميركي الجنرال مارتن ديمبسي، في مقابلة مع قناة «سي ان ان»، الجيش المصري اذا تبين أن ما قام به هو انقلاب على مرسي. وقال «هناك قوانين تحكم كيفية تعاطينا مع مثل هذه الأمور»، في اشارة الى إمكانية توقيف واشنطن مساعداتها العسكرية لمصر.
ودعا وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، في بيان، الى الهدوء في مصر، لكنه لم يتحدث عن «انقلاب» مع تأكيده أنه ضد تدخل الجيش لتغيير النظام.