‘آخر أيام المدينة’ يروي سيرة القاهرة عشية ثورة يناير
شكك كثيرون بقدرات المخرج المصري تامر السعيد خلال العقد الذي استغرقه إنجاز فيلم “آخر أيام المدينة”، لكن بعد طول انتظار يبدأ عرض هذا العمل الحائز جوائز عدة بعدما نال استحسانا من النقاد بفضل طريقة تصويره للقاهرة كمدينة على حافة الهاوية قبل أشهر من ثورة 2011. وقال “أصدقائي كانوا ينظرون إلي بمزيج من الشفقة والسخرية عندما يسألونني عن مسار الأمور” بالنسبة للفيلم، “لكنهم بعد فترة توقفوا عن السؤال”.
غير أن السعيد أصرّ على المضي قدما بمشروعه على الرغم من الشعور لوهلة بضياع الجهد الذي بذله لسنوات بفعل الثورة المصرية وما تلاها من أحداث شهدتها مصر. وبعد ستة أسابيع فقط من انتهاء السعيد من تصوير حالات الغضب البائس للسكان والواقع اليومي المرير لحياتهم في ظل حكم حسني مبارك، اندلعت ثورة 25 يناير في شوارع القاهرة.
وفي مشهد استشرافي صور على سطح مبنى مطل على ميدان التحرير الذي تحول بعد أسابيع مركزا للثورة، يشكو بطل الفيلم وأصدقاؤه العراقيون واللبنانيون من العنف والفشل السياسي والسوداوية التي يغرق بها العالم العربي.
وفيما كان السعيد يعمل على توليف فيلمه، كان العالم من خلف نافذة منزله ينقلب رأسا على عقب. فقد التقطت عدسته مشاهد لمدينة غاضبة منتفضة ترزح تحت ثقل الدعاية السياسية للعسكر والشرطة.
وقال السعيد الذي يعيش قرب ميدان التحرير “خلال 18 يوما من الاحتجاجات ضد نظام مبارك لم أشعر بالحاجة للتصوير”. وأضاف “كنت أشعر بأني جزء من اللحظة. لكن تحت تأثير الآخرين، صورنا لفترة نصف يوم وشعرت أن الأمر خطأ”.
صعوبة في التمويل
ولفت المخرج البالغ من العمر 44 عاما “خلال سنتين من التصوير في الشوارع كنا دائما نشعر بأننا نفعل الصواب، لكن لم نر أنه من الجيد استغلال لحظة بهذه الأهمية كخلفية” للعمل. وتابع قائلا “ما كان ممكنا استخدام ما يحصل قبل أن نفهمه. وفهم ذلك يستغرق وقتا”.
وعرضت جهات داعمة غربية الأموال لإنجاز الفيلم لكنها اشترطت أن يتطرق فيه الى الثورة.
وأضاف “لكني رفضت لأن ذلك سيكون بمثابة خيانة لنفسي وللفيلم” الذي كان “عن شيء في طور الانتهاء والثمن الذي يدفعه المرء عندما يكون من مكان كهذا”.
ويظهر التشابه بين كفاح السعيد للحصول على تمويل لفيلمه وقصة الشخصية الرئيسية خالد الذي يمضي الفيلم ساعيا من دون جدوى لإنجاز فيلمه الخاص عن القاهرة. وأشار السعيد إلى أن “فكرة الفيلم راودتني بعد وفاة والدي، وفي الفترة عينها تقريبا فقدت أصدقاء لي في الحريق الهائل الذي شهده مسرح مهرجانات بني سويف سنة 2005” وأودى بحياة 46 شخصا.
وقال “كان مريعا تخيل أشخاص يحترقون في داخل مسرح من دون محاسبة أحد. هذا الأمر يروي كل شيء عن واقع السنوات الأخيرة من حكم مبارك. كان واضحا أن الوضع غير قابل للاستمرار”.
دور للوالدة على فراش الموت
وأوضح السعيد والدموع في عينيه “السينما بالنسبة لي طريقة لتخليد الأمور. لكن للأسف لم أصور يوما والدي”. وعندما بدأ تصوير الفيلم، كانت والدته تنازع أيضا وقد أقنعها بتأدية دور والدة خالد على فراش الموت. وتوفيت والدة المخرج في اكتوبر/تشرين الاول 2010 في الأسابيع الأخيرة من التصوير.
وفي مشهد يجسد تزايد النزعة الدينية في القاهرة، تغطي الوالدة رأسها عندما تخور قواها، في وقت تدعو ملصقات يصورها الفيلم الرجال لغض البصر عن النساء وتغطى عارضات بلاستيكية في المتاجر.
ولم ينطلق عرض “آخر أيام المدينة” في مصر على رغم نيله جوائز عالمية عدة بما فيها من مهرجان برلين السينمائي بسبب عدم جواز السلطات المصرية الحالية بعرضه بعد.
غير أن السعيد يشدد على أن فيلمه ليس سياسيا، وهو مع ذلك يعاني تضييقا محليا في مصر حيث يتعذر على مخرج العمل وضع ملصقات ترويجية له رغم العرائض المستمرة منذ عشرة أشهر للمطالبة بذلك. وقال المخرج وهو أحد مؤسسي مكتبة للسينما في القاهرة “ألا يُعرض الفيلم في مصر جرح كبير بالنسبة لي”.
وأضاف السعيد “الناس يقولون إن الفيلم بذاته ليس مشكلة… ففي النهاية صورناه خلال عهد مبارك. لكن لا مكان راهنا لصوت بديل”.
ميدل ايست أونلاين