أحمد داوود أوغلو شَريكُ أردوغان السّابق وخصمه الحالي يخرج عن صمته ويُحذّر من “المُجازفة” بمُواجهةٍ عسكريّةٍ شرق المتوسّط.. لماذا خرج الآن عن صمته ونزل إلى حلبةِ المُنافسة؟ وهل مخاوفه في محلّها؟ وكيف سيكون ردّ الفِعل على انتِقاداته داخليًّا وخارجيًّا؟

 

في وقتٍ يتصاعد فيه التوتّر العسكريّ في شرق المتوسّط بين تركيا واليونان، وتُجاهر فيه فرنسا مدعومةً بالاتّحاد الأوروبي، بعدائِها لأنقرة، وتضغط باتّجاه فرض عُقوبات اقتصاديّة عليها، وتتواتر أنباء عن تقدّم قوّات للجِنرال خليفة حفتر نحو الهِلال النفطيّ في شرق ليبيا بعد تلقّيها شُحنات أسلحة حديثة من روسيا، يبدأ خُصوم الرئيس رجب طيّب أردوغان، وعلى رأسهم الدكتور أحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء الأسبق تَحرُّكًا مُضادًّا في الجبهة الداخليّة التركيّة عُنوانه الأبرز انتِقاد إدارته وأُسلوب تعاطيها مع الأزمات المُتفاقمة التي تعيشها تركيا حاليًّا سواءً على صعيدِ تفشّي وباء الكورونا، أو توتّرات شرق المتوسّط، بالإضافة إلى التّراجع الاقتصادي.

الدكتور أوغلو الذي انشقّ عن حزب العدالة والتنمية، وكان أحد أبرز مُنظّري “العثمانيّة الجديدة” وسِياسة “صِفر مشاكل” التي أوجدت إلى جانب مُعطيات أُخرى المناخ المُلائم لتحقيق المُعجزة الاقتصاديّة التركيّة، خرج عن صمته الدوليّ، وأعطى مُقابلةً على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة لوكالة الأنباء العالميّة “رويترز” قبل يومين حذّر فيها الرئيس أردوغان وحُكومته من “المُجازفة” بالدّخول في مُواجهةٍ عسكريّة بشرق المتوسّط، وإعطاء الأولويّة للقوّة العسكريّة على حِساب الدبلوماسيّة، واتّهم النّظام الرئاسي بالمَيل إلى الاستِبداد وسُلطته التنفيذيّة (الوزارة) لعدم النّجاح في مُواجهة التّحدّيات الداخليّة والخارجيّة، التي تُواجهها البِلاد، وخاصّةً أزمة شرق المتوسّط.

الدكتور داوود أوغلو الذي قاد الدبلوماسيّة التركيّة مِن عام 2009 وحتّى عام 2014، ثم تولّى رئاسة الوزراء لمُدّة عامين بعدها، يعترف أنّ لدى بلاده تظلّمات حقيقيّة بشأن مطالب اليونان بالأحقيّة في عشرات الآلاف مِن الكيلومترات المُربّعة في البحر المتوسّط وصولًا إلى بضعة كيلومترات من اليابسة التركيّة، ولكن ما يعترض عليه هو النّهج الذي يتّبعه الرئيس أردوغان في مُواجهة الأزمة، وهو نهجٌ يعتقد أنّه ينطوي على مُجازفاتٍ شديدةٍ الخُطورة حسب ما قال للوكالة العالميّة، لأنّ استعراض القوّة من قِبَل البَلدين (تركيا واليونان) قد يتطوّر إلى مُواجهاتٍ عسكريّةٍ.

هذا هو أقسى انتقاد يتوجّه إلى الرئيس أردوغان في هذا الظّرف الحَرِج، وكأنّ شريكه، ورئيس وزرائه، وزعيم حزب العدالة والتنمية الأسبق، يُريد أن يبدأ الحملة الانتخابيّة لحزبه (المُستقبل) لانتخابات عام 2023 مُبكرًا، وإعلان البراءة من السّياسات الأردوغانيّة الحاليّة ونُزوعها للمُواجهة وتصعيد درجة التوتّر إلى حافّة الهاوية.

دبلوماسي تركي كبير قال لـ”رأي اليوم” إنّه ليس من الحكمة خوض الحُروب أو المُواجهات العسكريّة بُدون جبهة داخليّة مُوحّدة، والاستِماع الى كُل الآراء ووجهات النّظر بالتّالي، وربّما هذا ما دفَع الدكتور أوغلو للخُروج إلى السّطح واللّجوء إلى وكالة أنباء عالميّة غربيّة للتّعبير عن رأيه بقوّةٍ، وإظهار مُعارضته العلنيّة للّجوء إلى الخِيارات العسكريّة على حِساب الأولويّة الدبلوماسيّة.

السيّد علي باباجان، نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد الأسبق، الذي يُوصَف بأنّه أبرز مُهندسي النّهضة الاقتصاديّة التركيّة وانشقّ عن الحزب الحاكم أيضًا، يلتزم حاليًّا الصّمت بطريقةٍ أو بأُخرى، ولكنّ هذا الصّمت ربّما لن يدوم طويلًا حسب رأي الدبلوماسي التركي المُخضرم المذكور آنفًا، ومن غير المُستبعد أن يخرج إلى الإعلام الخارجي مِثل زميله السّابق داوود أوغلو لأنّ آرائه المُعارضة قد لا تَجِد مِنبرًا داخليًّا في ظِل القُيود المفروضة على الإعلام.

تركيا تُواجِه حِصارًا سياسيًّا غريبًّا مُتصاعِدًا قد يتطوّر إلى حصارٍ اقتصاديّ، لأنّ أوروبا تخشى من صُعود “المارد” العُثماني وخُروجه من القمقم مُجدَّدًا.

القوّة العسكريّة التركيّة المُتعاظمة تحتاج إلى ذراعٍ دبلوماسيّ قويّ، غِياب هذا الذّراع، حسب رأي سياسي تركي في وزنِ الدكتور داوود أوغلو هو أحد أبرز مصادر الخطر الذي يُواجِه تركيا، وهي نُقطةٌ تستحقّ التّأمُّل والدّراسة.. واللُه أعلم.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى