أخطار التدخل الغربي في مصر (سمير كرم)

 

سمير كرم

ثمة سؤال لا يمكن الإفلات منه ازاء ما يجري الآن في مصر: هل تحاول الدول الغربية والخليجية ممارسة عملية وساطة بين السلطة المصرية وزعامات «الاخوان المسلمين»، ام ان ما يجري هو محاولة تدخل مباشرة في الشأن المصري؟
الفرق كبير بين الوساطة والتدخل، ولكن الجميع يتجنبون وصف التدخل حرصاً على استمرار هذا التدخل نفسه. حتى الجيش المصري يفضل وصف العملية الجارية بانها وساطة. والسبب هو ذاته. واذا ما ابتعدنا عن هذه النقطة الخلافية فإن الامر المؤكد هو ان هناك محاولة جارية الآن من جانب الدول الغربية المؤيدة لـ«الاخوان المسلمين» لدعمهم بالطرق التقليدية القديمة قبل التطورات الاخيرة في مصر التي شهدت صعودهم الى السلطة ثم انهيار هذا الوضع خلال عام واحد لا أكثر. تتضح هذه المحاولة في سلوك الولايات المتحدة واوروبا الغربية الرامي الى خلق مساواة متصورة بين «الاخوان» والمعارضة الشعبية والعسكرية لهم في مصر. وتأتي هذه المحاولة بعد ان انحصر وضع «الاخوان» في تجمــعين حاشدين. وتدرك الجماهير المصرية ان هذين الاحتشادين الاخوانيين أصغر من ان يشكلا تحدياً للسلطات المصرية والجيش المصري، الذي يرقب الوضع عن كثب. ولكن هذا الإدراك بعيد عن مدارك ومعرفة الدول الغربية. او هكذا يبدو. فإن المعرفة الاميركية والاوروبية بالواقع الفعلي المصري وحجم «الاخوان» فيه اوسع واوثق من ان تجعل هذه المجموعة من الدول تتصور ان قوة «الاخوان المسلمين» تعادل في اقصى تقدير قوة الشعب المصري في مجموعه. لكن ما يحدث الآن من محاولة خلق حالة «وساطة» بينهما وبين الحكومة المصرية و«الاخوان» تنطوي على قدر من التزييف لا يمكن تصور ان يخدع حكومة مصر بشأن هذه «الوساطة».
لقد أوضحت الحكومة المصرية موقفها من «الاخوان» وكذلك من المحاولات الديبلوماسية الاميركية والاوروبية في اعلانها مهلة محددة للحشد الاخواني. غير ان الديبلوماسية الاميركية والاوروبية سارعت الى ارسال مبعوثين جديدين الى القاهرة لمواصلة هذه الوساطة الزائفة، هما: نائب وزير الخارجية الاميركي وليام بيرنز والمبعوث الديبلوماسي الاوروبي برناردينو ليون. وهناك من اعتبر ان سفر وزيري الخارجية القطري والاماراتي الى القاهرة في الوقت نفسه امتداداً للمحاولة الديبلوماسية ذاتها لـ«لوساطة» بين مصر الرسمية و«الاخوان». ولكن ادعاء الوساطة في كل هذه الحالات لا يعدو ان يكون محاولة لإكساب «الاخوان» مكانة ليست لهم. ولكن ماذا نقول عن موقف الحكومة المصرية والجيش المصري الذي يظهر نوعاً من التسليم بأن هناك «وساطة» بين مصر وقيادات «الاخوان»؟ بماذا نفسر موقف مصر المتمثل في حكومتها وفي قواتها المسلحة الذي يستجيب بطريقة إيجابية لكل تلك المحاولات للوساطة بين طرفين ليس بينهما اية درجة من المساواة؟ اننا لن نجد اجابة لهذا التساؤل الا تلك التي تذهب الى ان مصر ـ ممثلة في حكومتها وفي جيشها – تجد في هذه «الوساطة» الخارجية فرصة لكسب الوقت بانتظار استجابة من جانب «الاخوان» المعتصمين للمهلة المعطاة لهم لفضّ اعتصامهم وما يتعين أن يلي ذلك من تسليم زعاماتهم المختبئين انفسهم للسلطات لينتظروا دورهم في المحاكمة.
من ناحية أخرى فإن الديبلوماسية الاميركية والاوروبية والعربية تجد في الوقت المتاح لها ليس مجرد فرصة لممارسة التدخل انما لتمكين «الاخوان» من إثبات ذاتهم وإثبات ان لهم مكانة «دولية» تجعلهم يواجهون مصر الحكومة والجيش بدرجة من التحدي يستمدونها من الدعم الاميركي والاوروبي والعربي. وقد يكون واضحاً ان حكومة مصر وجيـشها يحاولان تجنب النهاية المؤلمة التي لابد ان يسفر عنها انقضاضهما بقوة على الاعتصامين الباقيـين لـ«الاخوان» في القاهرة. ولكن هذين الجانبين ـ الحكومة المصرية والجيش ـ يدركان بالتأكيد أن الوقت المتاح لاعتصامي «الاخوان» له حدود زمنــية ضــيقة للغاية. وينطبق هذا بشكل اكثر تحــديداً على الجـيش المصري الذي قد يجد نفسه مضطراً لأن يلعب الدور الاكبر في فض الاعتصامين بمواجهة صريحة وربما قاسية مع «الاخوان» المعتصمين والقيادات الاخوانية المختبئة بينها. والأمر الذي يجعل دور الجيش المصري أدق في هذه المواجهة هو الاجتماع الذي تم مؤخراً بين الفريق اول عبدالفتاح السيسي وممثلي الجماعات الاسلامية غير الاخوانية. لقد اكتسب هذا الاجتماع صفة الوساطة بين قيادة الجيش في أعلى رتبها وزعامات «الاخوان» عبر قيادات الجماعات الاسلامية. وقد بلغ سوء تقدير قيــادات «الاخوان» لهــذا القــبول من جانب الجيش ان أظــهرت درجة قصوى من العجرفة برفض اقتراح الجيش ـ كما نقل عن الفريق السيسي ـ بأن «تلتزم الاطراف كافة بنبذ العنف وعدم تعطيل مرافق الدولة او تخريب المنشآت العامة او التأثير على مصالح المواطنين… والالتزام بخريطة المستقبل التي ارتضاها الشعب المصري كأحد مكتسبات ثــورة «30 يونيو»…». فعلى الرغم من أن هذه الصيغة لا تتضمن شروطاً قاسية على طرف الاخوان وانما تعبر فقط عن الموقف العام الذي يمكن للجيش الالتزام به فإن زعامات «الاخوان» عندما استمعت اليها رفضتها. ولا يعدو هذا ان يكون تصوراً من جانب هذه القيادات بأن باستطاعتها ان ترفض باعتبار ان الرفض بحد ذاته يمكن ان يوحي بانها في موقع قوة (…).
ويمكن الجزم بان القيادات الاخوانية لا بد ان تكون قد اتخذت الموقف نفسه في اللقاءين اللذين تمّا بينها وبين المبعوث الاميركي بيرنز ومبعوثة الاتحاد الاوروبي. والملاحظ ان الجماعات الاسلامية التي نقلت وجهات نظر الفريق السيسي الى قيادات «الاخوان» كانت أكثر وضوحاً وصراحة في شرح رد الفعل الرافض الاخواني، في حين ان المبعوثين الاميركي والاوروبي التزما صمتاً شبه تام بعد لقاء كل منهما بالقيادات الاخوانية عندما تمّ لقاؤهما بالفريق السيسي ثم رئيس الوزراء حازم الببلاوي. بل لقد تبين أن «الاخوان» رفضوا اقتراحات من نوع تشكيل حكومة جديدة يتمّ اختيارها بالتوافق بين مختلف القوى السياسية لتقود البلاد خلال مرحلة انتقالية. وقد رفض السيسي الاقتراح الذي طرحه «الاخوان» بأن يعلن بنفسه عن تفويض صلاحيات رئيس الجمهورية لرئيس وزراء جديد يتم اختياره بالتوافق بين مختلف القوى السياسية. وقد فسّر رفض السيسي بأن هذا الاقتراح الاخواني انما يرمي الى تصوير الجيش بأنه يقوم بدور انقلابي في المرحلة الراهنة. وجاء هذا الرفض على الرغم من أن السيسي نفسه اقترح مشاركة «الاخوان» في الحكومة المقترحة. بل ان قيادات «الاخوان» رفضت دعوة القوات المسلحة الى التفاوض العلني المباشر.
ان احداً من الجماهير المصرية التي تتطلع الى انهاء الحالة الاستثنائية القائمة لا ينكر حقيقة ان انهاء اعتصام «الاخوان» يتطلب استخدام القوة حتى من جانب الجيش، وان استخدام القوة هذا سيؤدي بالضرورة الى سقوط أعداد غير قليلة من القتلى. ومع ذلك فإن الجماهير لا تخفي استعدادها لتقبل هذه النتيجة اذا كانت ضرورة مــن اجل انــهاء الوضــع الشاذ الراهن. مع ذلك فإن الجهود الديبلوماسية الاميركية والاوروبية تتجاهل هذا الواقع وتحاول تصوير موقفها الداعم لـ«الاخوان» وتوجهاتهم بأنه أكثر عقلانية وسلمية، حتى وان كان يرمي الى ادخالهم في اللعبة الخطرة. وهذا ما انصبت علــيه الانتقادات التي وجهها الفريق السيسي، في اول حوار منذ الإطاحة بالرئيس مرسي، حيث وجه في حديث اجرته معه صحيفة «واشنطن بوسـت» انتــقادات حــادة الى الموقــف الامــيركي من أحــداث مصر. لقــد اتهم السيسي ادارة الرئيس اوباما بتجاهل ارادة الشعب المصري والإحجام عن تقديم الدعم الكــافي لمصــر في ظل التهديدات التي يطلقها البعض بخوض حرب اهلية. لقد أسهب السيسي في هذا الحديث النــادر في شرح موقف القوات المسلحة المصرية من الاحداث الجارية ولوحظ بشكل خاص اهتمامه بايـضاح التطابق بين موقفي الشعب المصري والجيش من الاحداث الجارية. واوضح بشكـل جــلي «ان لدى الاخوان المسلمين تواجداً دولياً في أكثر من ستين دولة وأن الفكرة التي تربط بين هؤلاء ليست نابعة من الوطنية، انما من ايديولوجية ترتبط تماماً بمفهوم التنظيم».
ان الحرص الشديد الذي تبديه الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، على مشاركة «الاخوان» في ما تسميانه العملية الانتقالية في مصر، يكشف بصورة مفجعة عن التشابه العجيب بين موقفهما وموقف قيادات «الاخوان». وحين تتبنى الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي مطالب «الاخوان» على الرغم من التعارض الشديد بينها وبين موقف الجماهير المصرية فإن هذا يعطي مؤشراً الى ان العلاقات مع مصر تسير في اتجاه بالغ الخطورة. الأمر الذي يتطلب من الحكومات الاميركية والاوروبية اعادة النظر في موقفها من أحداث مصر.
وقد يتطلب هذا إعادة النظر في احداث منطقة الشرق الاوسط برمتها. اي اعادة النظر في المخطط الاميركي المدعوم من اوروبا لتفتيت المنطقة ولإبعاد مصر عن دورها التاريخي فيها.

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى